توقيت القاهرة المحلي 00:06:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لعنة الاستهلاك تضرب "الأداهم"

  مصر اليوم -

لعنة الاستهلاك تضرب الأداهم

بقلم : محمود خليل

قبل حرب اليمن كان العلم يحتل درجة متقدمة على سلم القيم الأدهمية. وكان صاحبه يحتل فى الأغلب موقع الصدارة فى العديد من المواقع.

كانت أغلب العوائل الأدهمية -أغنياء وفقراء- حريصة كل الحرص على أن يكون فى الأسرة شخص أو أكثر يتمتع بوصف عالم أزهر، أو طبيب، أو محامٍ، أو معلم.

كان العلم والمعرفة رافدَين أساسيين من روافد الوجاهة الاجتماعية.

وكلما اقترن تحصيل العلم بتجربة تحدٍّ حاز صاحبه مراتب أعلى ونظرة أكثر سمواً فى أعين الأداهم.

يمكنك أن تستدل على ذلك من نظرتهم لعميد الأدب العربى طه حسين.

الطفل الكفيف الذى وفد إلى القاهرة من إحدى قرى صعيد مصر وخاض تجربة إنسانية عصيبة تحدَّى فيها ظروف مرضه، وقطع الأميال من أجل تحصيل العلم فى الأزهر، ثم الجامعة المصرية، ثم امتطى البحر مسافراً إلى أوروبا بحثاً عن المزيد من المعارف.

حظيت تجربة «العميد» بطوفان من الإعجاب من جانب كبار وصغار الأداهم.

ولو أنك قرأت كتاب «الأيام» فسوف تلاحظ مبلغ حرص أبيه الموظف البسيط بمصنع السكر على تعليم ابنه، بل إن أحداث السيرة الذاتية تشهد أن الرجل لم يكن حريصاً على تعليم طه حسين وحده بل كل أبنائه، فشقيق طه حسين «محمود» كان طالباً بالمدرسة الطبية عندما وافته المنية بعد اجتياح وباء الكوليرا للقرية التى تعيش بها الأسرة، وكان له شقيق آخر عالم بالأزهر الشريف.

العوائل الأدهمية الغنية كانت حريصة كل الحرص على تعليم أبنائها. والعديد من أبناء هذه الأسر كانوا من المحامين والمهندسين والأطباء، ويجيدون أكثر من لغة، وبالإضافة إلى ذلك يملكون ناصية اللغة العربية بشكل لا تخطئه أذن.

الملك فاروق نفسه كان يجيد عدة لغات أجنيه، والتسجيلات الصوتية القليلة المتناثرة هنا وهناك تدل على امتلاكه قدراً كبيراً من الرصانة فى الحديث بالعربية، وكأنه تربى فى مجمع اللغة العربية. فى كل الأحوال لم يكن الثراء عذراً عن الجهل، ولم يكن الفقر عائقاً أمام من يريد الاجتهاد فى تحصيل العلم.

نعم كان التعليم الجامعى بمصروفات، لكن الفرص كانت متاحة للمجتهدين للإعفاء منها، كما أن التعليم ما قبل الجامعى كان كله مجانياً قبل قيام ثورة يوليو 1952.

الضباط الأحرار أنفسهم استفادوا من الحالة الداعمة للتعليم والمثمّنة لقيمة المعرفة قبل الثورة.

صدى ذلك يظهر بوضوح فى مؤشر الأداء اللغوى (العربى والأجنبى) للعديد من الضباط الأحرار، مثل جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وأنور السادات وغيرهم.

نوع من البرجلة أصاب منظومة القيم الأدهمية بعد بضعة أعوام من قيام الثورة، حيث صعدت قيمة المال والاستهلاك وأصبحت تتقدم خطوات عديدة على قيمة العلم والمعرفة.

وكان السرُّ فى ذلك أمرين، الأول أن الطلب الرسمى على العلم لم يعد كبيراً، بل تفوق عليه الطلب على قيم النفاق والمداهنة والمراوغة، لأن الواقع ببساطة كان يبحث عن «أرباب الثقة» وليس «أصحاب الكفاءة»، والثانى أن الطلب الشعبى على العلم والمعرفة تراجع بصورة ملحوظة، حين أصبحت أكثر الأسر معنية بالشهادة أكثر من العلم، وبدأت ثقافة «الغش» تضرب العملية التعليمية برمتها بعد أن أصبحت الشهادة الزائفة -المقرونة بالنفاق والواسطة- أحد المفاتيح التى تساعد صاحبها على الولوج إلى عالم المناصب والنفوذ، وبالتالى المال الذى يساعد على إشباع النهم الاستهلاكى الذى ظهر على استحياء بين قطاع من الأداهم المصريين خلال فترة الستينات، ثم ضرب الجميع خلال فترة السبعينات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لعنة الاستهلاك تضرب الأداهم لعنة الاستهلاك تضرب الأداهم



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:14 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا
  مصر اليوم - محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon