توقيت القاهرة المحلي 21:08:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحسين.. و«شربة الماء»

  مصر اليوم -

الحسين و«شربة الماء»

بقلم: د. محمود خليل

فى الصراعات السياسية أحياناً ما يظهر أطراف ينطبق عليها قول القائل: «قلوبهم معك وسيوفهم عليك». المشهد التاريخى الأبرز الذى ترددت فيه هذه العبارة اقترن بمسير الإمام الحسين إلى الكوفة، بعد أن دعاه أهلها إلى المجىء إليهم لمبايعته خليفة للمسلمين بدلاً من «يزيد»، الذى اعتلى الخلافة بعد أبيه معاوية، والسيف على رقاب العباد. قابله فى الطريق الشاعر العربى الشهير «الفرزدق» فسأله عن وجهته، فأخبره بأنه سائر إلى الكوفة حيث بايعه أهلها ودعوه إليها لتصبح مركزاً يستطيع أن يناوئ منه بنى أمية فى الشام، فما كان من «الفرزدق» إلا أن نصحه بالعودة من حيث جاء، وقال له يصف أهل الكوفة: «إن هؤلاء قوم قلوبهم معك وسيوفهم عليك». لم يستمع الحسين، رضى الله عنه، إلى النصيحة وسار إلى حيث أراد ليسقط شهيداً فى كربلاء.

فى دنيا الصراع لا بد أن يكون الطرف الساعى إلى تحقيق هدف معين واعياً بشكل كامل بالأطراف الأخرى التى يتعامل معها، ومواقفها المعلنة والأخرى التحتية، ومن المهم ألا ينخدع بالتصريحات المؤيدة والكلمات المعسولة، ويرتكن على ذلك. فالرهان دائماً على المواقف وليس الوعود الكلامية، خصوصاً عندما ينخرط الشخص فى صراع حول قضية كبرى تمس حاضره ومستقبله. لقد صدّق الإمام الحسين الكلمات الكبيرة التى احتشدت داخل الرسائل التى وصلته من الكوفة تشجعه وتحثه على التحرك إليها ليصطف أهلها من خلفه فى مواجهة يزيد بن معاوية. وعندما نصحه «الفرزدق» بعدم السير فى هذا الطريق كان يعلم أن ميزان القوى يميل لصالح «يزيد»، وأن «الخوف من القوى» يحرك الناس أكثر مما تحركهم كلمات الإيمان، وأن المصالح تحدد وجهتهم أكثر من المبادئ. وذلك هو ما حدث بالفعل. فعندما وصل «الحسين» إلى كربلاء وجد من دعوه إلى المجىء مختبئين فى بيوتهم، خائفين على أنفسهم من سيوف بنى أمية، أو باعوا الرجل مقابل مجموعة من المصالح الصغيرة التى دفع بها القصر الأموى إليهم.

من ينخرط فى صراع تفاوضى عليه أن يجيد علم «الحسابات السياسية» التى لا تعرف ثوابت، ولا ترتكن إلى مجموعة من العبارات المتميعة حول العلاقات التاريخية والجغرافية وخلافه. لغة الحساب لا تعرف إلا المعادلات وأن «واحد زائد واحد يساوى اثنين». ثمة أطراف فى أى لعبة صراع تفضل اللعب مع الصغار، وتلقى بثقلها معهم، وقد تعلن عن إخلاصها للطرف الكبير فى الظاهر، وعندما تصل المواقف إلى منصة الحسم تجد سيوف الصغار قد خرجت وأشهرت وتكاثرت على الكبير.

قُتل «الحسين» فى كربلاء، ورفض قاتلوه أن يمنحوه شربة ماء، وعاجلوه بالسيف حتى حلقت روحه الطاهرة إلى بارئها. لم ينصره من كانوا بالأمس يطنطنون بمحبته وأفضليته، ولم ينفعه فيما بعد اللطميات والبكائيات التى ينخرط فيها أبناء وأحفاد من خذلوه حتى اليوم. قد تسمع هذه اللطميات أو تقرأ تلك البكائيات فى بطون الكتب، لكن يبقى أن الواقع لا يعرف سوى لغة القوة وأفعالها ونواتجها، لا يعرف إلا الثقة فى النفس وفى الأدوات التى تملكها فى مواجهة من يريد تهديدها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحسين و«شربة الماء» الحسين و«شربة الماء»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:57 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يصبح أول رئيس أميركي يبلغ 82 عاماً وهو في السلطة

GMT 02:39 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

رانيا محمود ياسين توضح قطع علاقتها بالبرامج التليفزيونية

GMT 09:28 2021 الأربعاء ,11 آب / أغسطس

المصري يعلن انتقال أحمد جمعة إلى إنبي

GMT 02:20 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إيمي سمير غانم تكشف عن خلاف حاد مع زوجها تحول إلى نوبة ضحك

GMT 12:25 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

طريقة عمل أصابع الجبنة بالثوم

GMT 11:17 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يتخذ أولى خطوات الرحيل عن ليفربول
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon