بقلم: محمود خليل
منذ عدة سنوات باتت القضية الفلسطينية خارج أجندة أولويات الدول العربية، يستوى فى ذلك الشعوب مع الحكومات. فأغلب هذه الدول ضربتها صراعات ليست بالهينة شغلتها عن الاهتمام بالقضايا الإقليمية. وقد بان ذلك بصورة جلية فى ردود الفعل العربية التى أعقبت الإعلان عن خطة ترامب للسلام. فالبيانات التى صدرت عن أغلب الحكومات العربية دعت إلى النظر فى محتوى الخطة وبحث الممكن وغير الممكن فيها، لكن أغلبها لم يحدد موقفاً صريحاً منها، سواء مع أو ضد.
بدا موقف الدول العربية أكثر وضوحاً خلال الفترات التى شهدت تسريبات حول محتوى الخطة، فقد بادر العديد من صناع القرار إلى تلخيص رد الفعل المتوقع فى عبارة صريحة واضحة مباشرة تقول: «نقبل ما يقبله الفلسطينيون ونرفض ما يرفضونه». كنت أتوقع أن تقفز هذه العبارة من جديد على مائدة رد الفعل العربى، لكن ذلك لم يحدث، لكن فى كل الأحوال أرى أن واجب العرب فى هذه المرحلة أن يتبنوا الموقف الفلسطينى على طول الخط، فإن قبل الفلسطينيون الطرح الأمريكى قبلوا، وإن رفض فواجب العرب الرفض. والبيان الصادر عن اجتماع الفصائل الفلسطينية المختلفة تحت رئاسة عباس أبومازن أعلن رفضه القاطع للخطة.
لا يملك الفلسطينيون سوى الرفض. وتقديرى أن كلاً من ترامب ونتنياهو يعلمان أكثر من غيرهما أن الطرح الأمريكى سوف يقابل بالرفض. الأمريكان والإسرائيليون يطلبون مستحيلاً من الفلسطينيين، فهم يريدون منهم أن يتنازلوا عن كل شىء مقابل لا شىء. يطلبون الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، وحل مشكلة اللاجئين بعيداً عن الأراضى الفلسطينية، والرضاء بإنشاء عاصمة للفلسطينيين فى «أبو ديس» فى الضفة الغربية، على أن تبقى القدس -غرباً وشرقاً- العاصمة الموحدة لإسرائيل، والقبول بفكرة الدولة المجزأة التى تتشكل من مجموعة من الجيوب المكانية المتشرذمة، وهى دولة منزوعة السيادة وغير محددة بحدود. كل هذا يطلبه الأمريكان والإسرائيليون من الفلسطينيين مقابل ضخ عدة مليارات من الدولارات لتمويل مجموعة من المشروعات التنموية التى توفر مليون فرصة عمل للشباب الفلسطينى. كل هذه التنازلات مقابل حفنة دولارات؟!.
رفض الفلسطينيين طبيعى. وأى قيادة فلسطينية تعلم أن مصيرها إلى الضياع لو قبلت مثل هذا الطرح. وإن كان ثمة فائدة فيما حدث فهى إجبار الفصائل الفلسطينية على التوحد تحت راية واحدة وعلى موقف واحد رافض للطرح الأمريكى - الإسرائيلى. الواجب يفرض على العرب دعم الموقف الفلسطينى سياسياً، وذلك أضعف الإيمان. والمراهنة على القيام بضغوط على صانع القرار الفلسطينى للتزحزح عن الموقف المبدئى الذى اتخذه ليست مجدية فى مثل هذه الأحوال.
الرد العربى الوحيد الذى يمكن أن يكون له بعض الجدوى يتمثل فى طرح خطة بديلة مقابل خطة ترامب يتم الضغط بها على المجتمع الدولى، وخصوصاً لدى الأطراف المستعدة لاستيعاب حق الفلسطينيين فى إقامة دولة حقيقية وليست دولة كرتونية افتراضية كما يقترح «ترامب» وشريكه «نتنياهو».