توقيت القاهرة المحلي 22:02:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كتائب «راسبوتين»

  مصر اليوم -

كتائب «راسبوتين»

بقلم: د. محمود خليل

فكرة حمل السلاح كانت حاضرة فى ذهن حسن البنا منذ أن اختمرت فى ذهنه فكرة تأسيس الإخوان، لكنه كان من الخبث بحيث أجّل طرحها إلى المرحلة الأخيرة من بناء الجماعة. أسّس «البنا» ما يُسمى بفريق الرحلات أو «الجوالة». ويعترف محمود عبدالحليم فى كتابه «أحداث صنعت التاريخ» بأن «فرق الرحلات أو الجوالة لم تكن سوى فريق عسكرى هدفه تحقيق فكرة الجهاد فى الإسلام، وهى الصورة التى رسمها «البنا» فى ذهنه لفرق الجوالة منذ قام بدعوته فى الإسماعيلية».

هكذا يعترف «عبدالحليم» بأن فكرة «عسكرة الجماعة» كانت مختمرة فى ذهن «البنا» منذ كان فى الإسماعيلية، أى قبل نزوحه إلى القاهرة، لكنه كان يتفهّم سمات الشخصية الأدهمية التى تؤثر السلامة والاستقرار على العنف والمواجهة، خصوصاً أن أداهم العاصمة لم تتأصل فى نفوسهم العادات المتأصلة لدى أداهم الريف، وعلى رأسها عادة الثأر، كما أنهم كانوا أكثر وعياً بمفهوم الدولة الذى بدأ فى التشكّل منذ عصر محمد على، ويعلمون أن الفكرة الشائعة بسيطرة بعض العصابات على الريف أساسها معادلة غياب أو حضور الدولة، فى حين أن المسألة مختلفة فى القاهرة التى تحضر فيها الدولة بكامل أدواتها.

كما أن الذاكرة الأدهمية كانت تستوعب جيداً أن واحدة من أخطر المحاولات للسيطرة على جزء من صعيد مصر باءت بالفشل، وهى محاولة شيخ العرب همام، بعد أن تمكن مماليك العاصمة من كسر شوكتها أيام دولة على بك الكبير.

انخرط الكثير من شباب الأداهم فى فرق الجوالة، وأصبح لهم زى موحد أقرب إلى الزى العسكرى، ثم تحول مسمى فرق الجوالة إلى «الكتائب» وهو مصطلح من مصطلحات الجندية، وأصبح لـ«الكتائب» نشيد ألفه عبدالحكيم عابدين صهر حسن البنا، والملقب بـ«راسبوتين الجماعة».

يتصدّر النشيد بيتان يقولان: «هو الحق يحشد أبناءه.. ويعتد للموقف الفاصل.. فصفوا الكتائب آساده.. ودكوا به دولة الباطل». والمعانى التى يحملها البيتان ليست بحاجة إلى تأويل. فنداءات العنف فيها صارخة، والدعوة إلى دك دولة الباطل -التى هى أى دولة غير دولة الإخوان بالبداهة- واضحة.

يقول محمود عبدالحليم: «أصبحت الجموع الحاشدة لفرق الجوالة بطوابيرها المنظمة، وطبولها المثيرة، وهتافاتها المزلزلة، وعسكريتها شبه المحترفة، قادرة على دعم شعور شعبى بأن الحق له قوة تحميه فتطمئن قلوب تحب الحق، لكنها كانت خائفة، وتهتز فرقاً -أى خوفاً- قلوب كانت سادرة فى الباطل، فكانت تجاهر بباطلها اعتماداً على أن الطريق أمامها سهل مفتوح، فلما رأت بعينها قوة الحق انكمشت بباطلها مستخفية مرتجفة».

ولا يخفى عليك ما تشتمل عليه ثنائية «الحق/ الباطل» من استدعاء لفكرة تقسيم الأداهم إلى فريقين، فريق الحق «الإخوانى بالطبع!»، وفريق الباطل من «غير الإخوان»، وهو تفكير تبدو فيه الصبغة «العثمانلية» للجماعة، وقد سبق أن حكيت لك عن مبادرة السلطان سليم شاه إلى دعم فكرة انقسام المصريين إلى فريقين خلال الفترة بعد استيلاء الأتراك على المحروسة عام 1517. وظنى أن الوصف الذى قدمه «عبدالحليم» لموقف المصريين من المسيرات وتنازعهم بين إحساس بالقوة التى تحمى الحق وإحساس بالخوف من القادم لا يخلو من دقة، فالأداهم بطبيعتهم يحبون الفرجة والمشاهدة، وقد فهموا من العروض شبه العسكرية لجوالة الإخوان أن ثمة قوة جديدة صاعدة تريد أن تسيطر على الحكم بالسلاح، وبالتالى فقد أدوا بتركيبتهم النفسية التى ورثوها عن أجدادهم من عصر موسى، عليه السلام (مع الفارق فى التشبيه بالطبع)، حين تزاحموا يوم الزينة لمشاهدة الصراع بين موسى وسحرة فرعون، ورأوا معجزات النبى، واستمتعوا بالمشهد، ثم عادوا إلى بيوتهم، ولا يذكر التاريخ أن أحداً منهم قد آمن برب هارون وموسى!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتائب «راسبوتين» كتائب «راسبوتين»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:14 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا
  مصر اليوم - محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:57 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

دليل بأهم الأشياء التي يجب توافرها داخل غرفة المعيشة

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

GMT 10:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز 5 ضحايا لهيمنة ميسي ورونالدو على الكرة الذهبية

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 10:39 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

أبوظبي وجهة مثالية لقضاء العطلة في موسم الشتاء الدافئ

GMT 03:57 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 منتخبات عربية في صدارة مجموعات تصفيات كأس العالم 2026
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon