بقلم: د. محمود خليل
مع مطلع ديسمبر من العام المنصرم (2019) كان فيروس كورونا قد بدأ فى التجول داخل صدور البشر بمدينة ووهان الصينية. بعض الأطباء رصدوا الفيروس فى بدايته، وكان منهم الطبيب الصينى «لى» الذى يعيش فى مدينة ووهان. نشر الطبيب عدة تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعى يحذر فيها من ظهور فيروس متحور من مرض «كورونا» ينتقل بالعدوى بين البشر ويؤدى إلى الوفاة. وما إن نشر ما نشر حتى انطلقت السلطات الصينية فى مطاردته بتهمة نشر شائعات، ولاحقته الشرطة مع عدد من الأطباء الآخرين الذين حذروا من الفيروس أوائل ظهوره. هذا الطبيب مات بالفيروس منذ بضعة أيام، وشكلت لحظة وفاته انفجاراً صينياً عظيماً على وسائل التواصل الاجتماعى يدين السلطات وأداءها الذى أدى إلى تفشى المرض الذى حصد حتى الآن مئات القتلى وأصاب الآلاف من المواطنين الصينيين.
إنه نمط الممارسة التى تسود داخل المجتمعات المنغلقة التى تقتات على الكذب. فالسلطات الصينية لا تريد الحقيقة، بل تجد أن أدوارها الأساسية تتمثل فى التعتيم على الحقيقة، ومعاقبة من يكشفها. أدت السلطات بهذه الطريقة وعتمت على الأخبار المتعلقة بانتشار الفيروس منذ شهر ديسمبر 2019 حتى أواخر يناير 2020، حين انفجر الأمر وأمست المعلومات خارج السيطرة مع تساقط البشر صرعى أو مصابين بالفيروس فى مدينة ووهان، وتسجيل لحظات السقوط على فيديوهات تم بثها عبر مواقع التواصل الصينى. بدأت السلطات الصينية منذئذ فى الإفراج عن بعض الأخبار المتعلقة بانتشار الفيروس، لكن بعد أن أصبح خارج السيطرة!. إنها حكاية المجتمعات التى تدار بشكل مركزى يتحكم فيه حفنة من البشر فى رقاب العباد.
رغم القرب الفكرى والسياسى بين دولتى الصين وروسيا، إلا أن أولاهما لم تتعلم من ثانيتهما. فقد عالجت الصين انتشار فيروس كورونا بذات الطريقة التى عالج بها الروس انتشار الإشعاع الذرى عقب انفجار مفاعل «تشرنوبيل». وقتها تعمدت السلطات السوفيتية إخفاء الأمر عن سكان الاتحاد السوفيتى وعن العالم لعدة أيام كان الأمر فيها قد خرج عن السيطرة وضرب الإشعاع العديد من الأنحاء فى الاتحاد السوفيتى، ومنها إلى العديد من أنحاء العالم، حينها خرج السوفييت يعلنون ما حصل. والغريب أن السلطات هناك طاردت خلال الأيام الأولى عدداً من العلماء الروس الذين نبَّهوا لخطورة ما حدث وضرورة معالجته، بطريقة لا تراعى الاعتبارات السياسية المتعلقة بسمعة السوفييت!.
راعى الروس سمعتهم، أما من قتلهم الإشعاع الناتج عن انفجار «تشرنوبيل» فلم يكترثوا بهم. وقد أدى هذا النمط من الأداء إلى تفكك الاتحاد السوفيتى بعد سنوات قليلة من الانفجار، وكأنه كان يفجر المجتمع بأكمله. الصين هى الأخرى تتعرض الآن لهزة اقتصادية عنيفة، مؤكد أنه سيكون لها تأثيراتها وتداعيتها على مستقبل هذه الدولة التى تعد واحدة من أكبر وأقوى دول العالم. مهما بلغت قوة الدولة الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية فإنها تصبح معرضة للاهتزاز وأحياناً الانهيار نتيجة التستر على الواقع. كتمان الحقيقة طريق حريرى إلى «الكارثة».