توقيت القاهرة المحلي 05:01:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الواقع.. والإعلان

  مصر اليوم -

الواقع والإعلان

بقلم: د. محمود خليل

ليست تلك هى المرة الأولى التى نشاهد فيها إعلاناً عقارياً استفزازياً خلال شهر رمضان.. الناس بس هى اللى بتنسى.. عن إعلان أحد الكومباوندات وما أثاره من صخب وجدل على مواقع التواصل وداخل وسائل الإعلام، أتحدث.. إعلانات عديدة شبيهة شاهدها المصريون عبر رمضانات الأعوام الماضية تسوق لعقارات داخل كميونيتى أو كومبوند مغلق، تصف المساحات الخضراء التى تتوافر فيه، وملاعب الجولف، والشوارع المتسعة، والخدمات المتكاملة المتوافرة وغير ذلك. الإعلان الجديد مشاركة فى نفس المعزوفة. ولو أننا حللناه على المستوى المهنى -بعيداً عن المواقف الاجتماعية- فسنجد أنه إعلان عرف كيف يختار مجموعة المفاهيم التى يبلور حولها رسالته التى تستهدف نوعاً معيناً من الزبائن. الحديث عن الخصوصية والمساحات الخضراء والملاعب وتوافر مراكز الخدمة التى تغنيك عن الخروج للأغيار (من البشر) تلهب خيال شريحة لا بأس بها ممن يمتلكون القدرة الشرائية للسلعة، كما أن الحديث عن أن الحياة فى المكان تشبه الحياة فى بعض العواصم الأوروبية مثل لندن وغيرها يروق لشريحة من المصريين تملك القدرة على اقتناء وحدة سكنية أو فيلا أو قصر منيف فى هذا المكان. إنها ببساطة ثقافة شريحة اجتماعية معينة نجح الإعلان فى مغازلتها وتسويق السلعة لها وتهيئتها للشراء.

والسؤال: هل النماذج البشرية التى اعتمد عليها الإعلان بثقافتها وطريقة تفكيرها ولغتها غير موجودة فى الواقع؟. كلنا يعرف أنهم جزء من واقعنا، حتى ولو مثلوا شريحة ضئيلة من أبناء المحروسة. هم موجودون ويفكرون بالطريقة التى عبر عنها الإعلان. وأظن -وليس كل الظن إثم- أن أفراد هذه الشريحة من المصريين استغربوا ردود الفعل على طريقة تفكيرهم، تماماً مثلما تعجبت الشريحة -الأقل قدرة- من طريقة التفكير والأفكار التى حملها الإعلان. حقيقة ذكرها الإعلان عندما ألح على فكرة أن كل الناس فى المكان الذى يسوّق له «شبه بعض». ومؤكد أن سماتهم الثقافية (والثقافة إفراز لواقع اقتصادى واجتماعى) تختلف عن سمات غيرهم من الشرائح الاجتماعية للمصريين، لذلك أظن أن الاستغراب كان متبادلاً.

جزء من ثقافة «الرأسمالية الجديدة» يرتبط بفكرة الكومبوند أو المكان السكنى المغلق. ولست أتحدث هنا عن الكمبوندات التى تؤوى أفراد الطبقة الوسطى -فهى لا تزيد عن محاولة للتقليد- بل أشير إلى مدن كاملة التجهيز، وبأسعار عالية تختار زبائنها المتشابهين فى الثقافة والقدرة الاقتصادية والدائرة الاجتماعية. إنها مجتمع يوتوبيا الذى حكى عنه أحمد خالد توفيق فى روايته التى جاءت تحت العنوان نفسه «يوتوبيا». هذا النمط من التجمعات البشرية أصبح واقعاً منذ فترة ليست بالقصيرة. وهو آخذ فى النمو (الرأسى)، أى على مستوى «التميز الكيفى» بحيث لن يستطيع أحد أن يطاوله فى المستقبل، وخصوصاً الشرائح الغاضبة على الإعلان من أفراد الطبقة الوسطى. وقد كان من اللافت أن تكون هذه الشريحة هى الأكثر نقداً للإعلان وللثقافة والفكر الذى يحمله فى باطنه. فمنذ سنين لم يعد أفراد الطبقة الفقيرة يكترثون بهذه النوعية من الإعلانات، لأن جودة الحياة باتت فى نظرهم مفهوماً أسطورياً، مثل العنقاء والخل الوفى وأمنا الغولة.. الغضب من فكرة معينة فى إعلان أو مسلسل أو فيلم لن يغطى بحال على وجودها فى الواقع!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الواقع والإعلان الواقع والإعلان



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon