توقيت القاهرة المحلي 11:33:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحياة الرخيصة

  مصر اليوم -

الحياة الرخيصة

بقلم: د. محمود خليل

حوادث متنوعة توجع القلب أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية، وتشهد جميعها على حقيقة أن الحياة تمسى رخيصة إذا تهيأت الظروف التى لا تجعل العقاب على قدر الذنب. دعونا نتأمل آخر حادثتين فى هذا السياق، وأولهما حادث قفز شاب من قطار طنطا بعد أن طالبه «الكمسارى» بدفع غرامة التدخين، وقد سبقه حادث اضطرار شاب إلى القفز من القطار بسبب عدم امتلاك ثمن التذكرة. وثانيهما حادث انتحار شاب مدمن بمدينة السلام على الهواء مباشرة عبر بث حى على مواقع التواصل الاجتماعى، ومن قبله انتحر شاب آخر بالمنوفية بالطريقة نفسها احتجاجاً على أسلوب معاملة والده له. الشاب المدخن أخطأ لكن ثمن الخطأ كان كبيراً، تماماً مثلما أخطأ الشاب الذى لم يكن معه ثمن التذكرة فدفع حياته ثمناً للخطأ. كذلك أخطأ الشاب الذى انتحر على الهواء فى حق نفسه عندما تركها نهباً للمخدرات، واستسلم للإدمان، تماماً مثلما أخطأ الشاب الذى سبقه إلى الانتحار على الهواء أيضاً قبل 4 أشهر، لأن والده يعامله بطريقة لا ترضيه.

ثمة ظروف وسياقات أدت إلى اختلال واضح فى العلاقة بين العقاب وحجم الجرم فى كل الحالات السابقة، وهناك اختلال أوضح فى أداء جهة العقاب، سواء تحددت فى شخص أو مؤسسة خارج نطاق الذات، أو تمثلت فى ذات الفرد. كثيرون ممن تناولوا هذه الحوادث أشاروا إلى أخطاء وقع فيها الضحايا، لكنهم أهملوا الحديث عن موقف جهة العقاب من أخطاء مماثلة -بل قد تكون أفدح فى حالات عديدة- وقع فيها آخرون ولم يصبهم أى عقاب!. من المهم أن نعى أن عدم العدالة فى تطبيق العقاب باب من أبواب الفساد. ومن المهم أن نستوعب أن يكون العقاب على قدر الطاقة، فلا يعقل أن يكون بديل الغرامة أو عدم امتلاك ثمن تذكرة قطار هو فقد الحياة. والأمر نفسه ينطبق على الشاب المدمن الذى انتحر، فالمحيط الاجتماعى الذى يعيش فيه يتحمل جانباً من الخطأ حين أهمله أو تنمر به ولم ينظر إليه كمريض يحتاج إلى العلاج، وليس النبذ الذى يدفعه إلى استرخاص حياته بهذه الصورة.

ثمة عبارة ورثناها عن الأجداد تقول: «الرحمة فوق العدل». فحاجة الناس إلى العدل شديدة، لكن حاجتهم إلى الرحمة أشد، خصوصاً عندما تتعقد ظروف الحياة. التراحم بين أفراد المجتمع ورحمة مؤسسات المجتمع بالأفراد تعد مقياساً على مستوى التقدم. فى كتابه الشهير «سيكولوجية القهر» أشار الكاتب مصطفى حجازى إلى أن هناك تخصصاً اسمه «علم نفس التخلف» يناظر تخصصات شبيهة، مثل علم اجتماع التخلف وعلم اقتصاد التخلف، وذهب إلى أن سيكولوجية التخلف مدارها القهر، بمعنى أن الإنسان المتخلف هو بالتبعية إنسان تحكمه ثنائية القاهر/ والمقهور فى آن واحد، فهو مقهور أمام من هو أقوى منه وقاهر لغيره ممن هو أضعف منه. فالمقهور فى العمل قد يكون قاهراً فى الشارع، إنه دؤوب فى البحث عن حلقة أضعف يضغط عليها ويستذلها، وما أسهل أن يبرر لنفسه أفعاله فى الضغط على الآخرين بعبارة «أنا أطبق القانون»، رغم أن فلسفة العقاب أساسها التهذيب وليس الانتقام.

فيه حاجة غلط!

وقد يهمك أيضًا:

«أداهم» المسلك اللطيف

عاصفة إرهابية فى أفق الأدهمية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحياة الرخيصة الحياة الرخيصة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon