بقلم: د. محمود خليل
للحظ أدوار فى حياة الأدهمية لا تخطئها عين. فأحياناً ما يقفز حدث مفاجئ، فيأكل مشكلة كانت الشغل الشاغل للأداهم فى ما مضى. قذفت الأقدار بحدث جلل على مسرح الأحداث العربية، أكل فى طريقه مشكلة الديون التى أرّقت المصريين أواخر الثمانينات، بل أفاد فى التحلل من نسبة لا بأس بها من أعبائها. فقد استيقظ العرب صباح يوم 2 أغسطس 1990 على خبر داهم يقول إن القوات العراقية اجتاحت دولة الكويت واستولت عليها، وأعلنت فى البداية تحويلها إلى جمهورية، ثم أعلنت بغداد عن ضمها رسمياً إلى العراق. ثمة تفاصيل كثيرة تتعلق بصدى الحدث على مستوى النظام العربى فقد هدّت هذا النظام هدّاً. بل قل إنها وضعت المعول الأخير فى نظام كان يسير منذ زيارة «السادات» إلى إسرائيل 1977 نحو الهاوية. فبعد هذا الحدث تأسس مجلس التعاون الخليجى وضم دول الخليج، ومن بعده مجلس التعاون العربى، وضم العراق ومصر والأردن واليمن، وطرحت فكرة تأسيس اتحاد مغاربى يضم دول المغرب العربى.
فى 10 أغسطس 1990 عُقدت قمة عربية طارئة بالقاهرة، لمناقشة الحدث، وشهد المؤتمر مشاجرة موثقة تليفزيونياً بين «مبارك» والرئيس الليبى معمر القذافى، وتوالت بعد ذلك مشاهد الملاسنات والمشادات ذات الصلة بالحدث الكبير. وانتهى المؤتمر إلى إدانة 12 دولة عربية للعدوان وتحفّظ أو امتناع 8 دول أخرى. ومثّلت هذه النتيجة حالة الانقسام الحاد فى الواقع العربى. وانتهى المشهد كما تعلم بحرب تحرير الكويت عام 1991، التى شاركت فيها قوة عربية إلى جوار القوات التى أرسلت بها الولايات المتحدة الأمريكية إلى المملكة.
ظلت مشاهد الحدث عالقة بالذاكرة الأدهمية مدة طويلة من الزمن. مشهد عبدالله الرويشد وهو يغنى «اللهم لا اعتراض»، وللأداهم نكتة شهيرة تمثل الأغنية موضوعها. والمشاهد المتكررة للمؤتمرات الصحفية التى كان ينظمها «مبارك» بين الحين والآخر لمناشدة العراق بحق كسرة الخبز وكوب الحليب والأطفال والكبار بسحب قواته من الكويت. وقد تكرّرت هذه المؤتمرات بشكل أثار استغراب الأداهم، فربط بعضهم بين مكالمات تليفونية خارجية تأتيه وقيامه من «أحلاها نومة» ليناشد العراق. تضاف إلى ذلك مشاهد المظاهرات التى عجت بها الجامعات رفضاً للوجود الأمريكى فوق أراضٍ عربية. وكان قطاع من شباب الأداهم يرى أن هذا الوجود يشكل كارثة محققة على النظام العربى، فى وقت ذهب فيه القطاع الأكبر من الأداهم، خصوصاً من كبار السن إلى أن استعانة الخليج بالأمريكان أمر طبيعى، وأن الذى جلبهم إلى المنطقة هو «صدام» وليس غيره عندما خطا هذه الخطوة العمياء باحتلال الكويت.
الفائدة الكبرى التى رأى الأداهم أنها عادت على «مبارك» بعد مشاركته فى حرب تحرير الكويت تعلقت بالمكاسب المالية التى تدفّقت إلى مصر بعد الحرب. ومؤكد أن الأدهم البسيط كان يجهل حجمها. فكل ما سمع به حينذاك أن نسبة من ديون مصر قد أُسقطت، ولا شىء غير ذلك. ويسجّل محمد حسنين هيكل فى كتابه «من المنصة إلى الميدان» أن أرقام صندوق النقد الدولى تقول إن مصر ربحت 100 مليار دولار خلال ظروف الحرب، منها 30 ملياراً ديوناً لدول أجنبية تم إسقاطها، و25 ملياراً من الكويت و10 مليارات من المملكة و10 مليارات من الإمارات، والباقى من مصادر متفرقة.. تخيل 100 مليار دولار!.