توقيت القاهرة المحلي 00:23:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثالوث الكراهية

  مصر اليوم -

ثالوث الكراهية

بقلم: د. محمود خليل

فكرة «كراهية الآخر» حاضرة بقوة فى الوجدان الإخوانى، فالعضو المنضم إلى الجماعة يتعلّم أن يبذل الحب، كل الحب، لإخوانه من أفراد الجماعة وأميرها، أما الآخر فهو دائماً موضع كراهية، ومن الواجب التعالى عليه. ويتم تكريس مسألة الكراهية داخل الجماعة -كما أشرت سريعاً بالأمس- من خلال ثلاث أفكار تشكل فى ما بينها ثالوثاً، يشتمل على ثلاثة أضلاع. الضلع الأول هو المفاصلة، والثانى الحب فى الله، والثالث التعالى على الآخرين.

فكرة المفاصلة تعنى أن يتبرّأ عضو الجماعة المتشدّدة من أى فكر يخالف فكر التنظيم، وأن يفهم أن الجماعة هى أهله وناسه، وأن من يحاربها حتى لو كان أقرب الناس إليه، لا بد أن يفاصله، وأن يقطع شرايين العلاقة التى تربطه به. وما أكثر ما يردّد المتشدّدون الآية الكريمة -من سورة براءة- التى تقول: «قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (سورة التوبة - الآية: 24). ورغم أن هذه الآية جاءت فى سياق مختلف، لأن الآباء المعاصرين وكذا الأشقاء والأزواج والعشيرة، ليسوا من المشركين على وجه الإطلاق، بل مسلمون بسطاء عاديون يؤمنون بالله ورسوله، ويرون أن «المحبة» جوهر رسالة الإسلام، إلا أن الجماعة لا تتردّد فى إسقاطها على الواقع المعيش وأهله.

تأسيساً على الآية الكريمة السابقة تتسكع فكرة المفاصلة والتبرؤ من كل ما هو مخالف ومختلف مع الجماعة داخل عقل ووجدان أعضائها. فأهل وعشيرة العضو هم إخوانه فى الجماعة الذين يذوبون معاً، وينصهرون فى ما بينهم من أجل تحقيق مشروعها، لذلك لا يقبل بسهولة أن يتزوج عضو الجماعة من خارجها. فالزوجة لا بد أن تكون «ملتزمة»!. ومفردة: «ملتزم»، وكذلك مفردة: «ملتزمة» من الأوصاف التى تتردّد على ألسنة أعضاء الجماعات المتشدّدة فى تصنيف المسلمين من حولهم. فهذا «ملتزم»، وذاك «غير ملتزم»، وهذه «ملتزمة»، وتلك «غير ملتزمة» وهكذا. والالتزام هنا ليس معناه الامتثال لأحكام الدين، بل ينصرف مدلوله إلى الانصياع لفكر الجماعة.

كم من أسر مصرية عانت الأمرين جراء زرع فكرة الكراهية المقيتة هذه فى عقل ووجدان شباب شردوا بعيداً عن آبائهم وأمهاتهم وأشقائهم وعوائلهم. ولو أنك قرأت رواية «الأفيال» للمبدع الراحل فتحى غانم، فستجد أنه عالج هذه المشكلة من خلال شاب شرد عن أسرته بعد أن لغمت الجماعة عقله بفكرة المفاصلة، فاتّهم أباه بالفساد، ونعت أمه بالسفور والتبرج والخروج عن شرع الله، وصبيحة أحد أيام عيد الأضحى، تعارك مع أبيه وترك منزل الأسرة إلى الأبد، فأورثهم هماً وشقاءً لا ينقضى، وتاه هو بعد ذلك فى دروب الجماعة التى لغّمت عقله. وتلغيم العقل هو المقدّمة الطبيعية لتلغيم الجسد، وهو ما تفعله الجماعات المتشدّدة حين تقرر استخدام أعضائها كمجرد وقود فى معارك أطماعها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثالوث الكراهية ثالوث الكراهية



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon