بقلم: د. محمود خليل
كان حسن البنا ينظر إلى المجموعات الأدهمية المحتشدة من حوله فيشعر بالقوة والزهو. كان الزمان زمان حشد، الكل يحشد: جمعية مصر الفتاة وزعيمها أحمد حسين، التيارات والأحزاب اليسارية، الملك وأحزاب القصر والسعديون. مع مطلع الأربعينات من القرن الماضى كانت لعبة الحشد هى الأكثر رواجاً فى بر المحروسة. كان الوفد حينذاك يرفع شعار «الشارع لنا.. إحنا لوحدنا»، وليس هناك خلاف على أن شعبية الوفد كانت تتعرض للتآكل والتراجع واعتراها قدر كبير من الضعف والخور. وجاءت الضربة القاصمة لها عام 1942، بعد أن شاهد المصريون بأم أعينهم حزبهم التاريخى يتولى الحكم من فوق دبابة إنجليزية. وقد مكنت هذه الحادثة القوى السياسية الصاعدة من سحب بساط الشعبية من تحت أقدام الوفد.
فى اللحظة التى نظر فيها حسن البنا إلى الأتباع المحتشدين من حوله وفرق الجوالة التى تزعق فى قوة وفتوة فى إعجاب، تسرب إليه شعور بأن أوان امتلاك «النبوت» القادر على الضرب بقوة قد آن. قرر أن يطوّر فرق الجوالة شبه العسكرية إلى نظام خاص ذى طبيعة عسكرية احترافية كاملة. تولى محمود عبدالحليم لفترة وجيزة تأسيس هذا النظام، لكن ظروف العمل اضطرته إلى ترك المهمة لغيره. اختار «البنا» للمهمة عبدالرحمن السندى، وكان شخصية شديدة التركيب والتعقيد. يصفه المتعاونون معه ومن تتلمذوا على يديه بأنه كان حالماً رقيقاً شديد الحساسية، وهو فى الوقت نفسه ملتزم أشد الالتزام بتعاليم الدعوة.
«السندى» كان من فصيلة أدهمية متميزة، فهو يبدو فى الظاهر ناعماً أشد النعومة، لكن باطنه وجوانحه تنطوى على مرجل يغلى بالغضب والعنف واستحلال الدماء. ولو أنك قلبت فى كتب التاريخ الإسلامى أو الإنسانى عموماً فسوف تجد أشباهاً له يتجولون على سطورها. كان اختيار «السندى» لقيادة النظام الخاص اختياراً مدروساً، فالقاعدة تقول إن الطيور على أشكالها تقع، وإن المرء على دين خليله، وبالتالى يمكننا القول بأن «السندى» كان يجذب نظراءه ممن يتراكم فى نفوسهم الحقد والغل والخسة والجبن. أصحاب هذه التركيبة يصبح من السهل عليهم إراقة الدماء، أما الخيانة فهى الأسهل بالنسبة لهم، فمن يستحل الدم البشرى المحصن بقوله تعالى «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا».
أداهم الفصيلة السندية فى أغلبهم من أصحاب القلب المريض. عبدالرحمن السندى كان مريضاً صريحاً بالقلب، أما أعوانه وأتباعه فكانوا من أصحاب النفوس السقيمة التى تمرض القلب. كان عضو التنظيم الخاص يتدرج فى مراحل التدريب حتى يتحول من صاحب قلب مريض إلى صاحب قلب ميت، لديه استعداد للقتل والكذب والخيانة. لا أريد أن أحكى لك ما تعرفه من حوادث اغتيال قام بها النظام الخاص، مثل قتل القاضى أحمد الخازندار والنقراشى باشا رئيس الحكومة، لكن ما أود تأكيده أن أداهم الفصيلة السندية كان لهم أبناء وحفدة أرهقوا غيرهم من الأداهم إرهاقاً عظيماً