بقلم: د. محمود خليل
امتلك محمد حسنى مبارك نائب «السادات» شخصية ملتزمة، فكان -كما يصفه الفريق محمد صادق نقلاً عن محمد حسنين هيكل فى كتابه من المنصة إلى الميدان- موظفاً مطيعاً لرؤسائه قادراً على تنفيذ المهام التى توكل إليه. ظهر هذا واضحاً -كما يقرر هيكل فى الكتاب نفسه- فى أدائه عندما صاحب «السادات» فى رحلة إلى السودان -أواخر الستينات- بتكليف من الرئيس جمال عبدالناصر لإخماد التمرد الذى قاده «المهدى» وأتباعه من «الأنصار» ضد جعفر النميرى. وتحمل معلومة «هيكل» إشارة إلى أن العلاقة بين «السادات» و«مبارك» كانت مبكرة وسبقت تولى الأول لرئاسة الجمهورية بعد وفاة عبدالناصر، وليست وليدة تولى «مبارك» قيادة القوات الجوية، أو الدور الذى أداه فى حرب أكتوبر.
منذ مرحلة مبكرة وجد «السادات» فى «مبارك» اختياراً أمثل ليحل محل حسين الشافعى فى موقع نائب رئيس الجمهورية. وحسين الشافعى كان الوحيد الباقى من بين الضباط الأحرار فى الهيئة الحاكمة. وتذرع «السادات» فى اختيار مبارك برغبته فى منح الفرصة لجيل أكتوبر. ويذكر «هيكل» أن دائرة الاختيار من جيل أكتوبر لم تكن مقصورة على «مبارك» فقط بل امتدت إلى أسماء أخرى كانت أكثر حضوراً فى مشهد النصر فى أكتوبر وما تلاه من مشاهد، مثل المشير محمد عبدالغنى الجمسى وزير الحربية والفريق محمد على فهمى، لكن السادات رد عند طرح اسم «الجمسى» -كما يقرر هيكل- بأنه «لا يصلح للرئاسة وهو ليس من نحتاجه فى منصب نائب الرئيس الآن». كان لدى «السادات» تصور معين فى اختيار الرجل الثانى فى الدولة. فقد كان يبحث عن شخصية مطيعة ليس من طبعها إبداء الرأى أو التعليق على التوجهات أو اتخاذ مواقف مستقلة، مثلما كان حال المرحوم الجمسى، وقد وجد ضالته فى «مبارك». ومن العجيب أن التفكير الأدهمى لا يختلف. فقد اختار «السادات» نائبه بالطريقة وبالاشتراطات نفسها التى اتبعها وتحراها جمال عبدالناصر وهو يختار «السادات» لموقع نائب الرئيس. وقد يقول قائل إن هذه الاشتراطات كانت تنطبق على «الحاج حسين الشافعى» -كما كان يصفه السادات- لكن يبدو أن «السادات» أراد أن يتخلص من كل ما له علاقة بعصر عبدالناصر.
وفى ظنى أن «مبارك» كان على وعى كامل بشخصية «السادات» وبما يطلبه، فالتزم بالأداء طبقاً لتوجيهاته بصورة صارمة، ودون أى جنوح إلى الاجتهاد. وأرضت هذه الطريقة فى الأداء الرئيس السادات فدافع عن اختياره له فى موقع النائب فى أكثر من مناسبة. ولست ممن يجدون أىّ وجاهة فى الطرح الذى يذهب إليه البعض من أن «السادات» كان يفكر فى تغيير «مبارك» فى أواخر عهده. فقد كان بالنسبة للرئيس اختياراً مثالياً. والأهم من ذلك الاختيار الأكثر أماناً. وقد عبر «السادات» لهيكل -كما يذكر الأخير فى كتاب من المنصة إلى الميدان- عن قلقه من عدم فهم بعض القيادات الكبرى لسياسته فى السلام مع إسرائيل، ويبدو أنه كان يلمّح بذلك إلى «الجمسى» الذى اتخذ موقفاً صلباً فى مفاوضات الكيلو 101 عام 1973.