بقلم: د. محمود خليل
خطة «ترامب» للسلام كانت لها فوائد عديدة على الواقع العربى يمكن إجمالها فى 3 فوائد، الأولى توحيد الفصائل الفلسطينية بعد سنوات طويلة من الصراع، والثانية بروز دور لجامعة الدول العربية لأول مرة منذ عقود حين أعلنت عن رفضها للصفقة، والثالثة الدفع بالقضية الفلسطينية من جديد إلى صدارة أجندة أولويات المواطن العربى، بعد أن شهدت تراجعاً ملحوظاً على تلك الأجندة خلال السنوات التى أعقبت أحداث الربيع العربى.
توحَّدت الفصائل الفلسطينية تحت توجُّه واحد رافض لصفقة القرن، وتشاركت فى التأكيد على قطع العلاقات التى تربط فلسطين بكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، كما جاء على لسان الرئيس محمود عباس «أبومازن»، بما فى ذلك العلاقات الأمنية. وأتصور أن ذلك أقل رد على خطة ترامب للسلام التى يُسدى لإسرائيل من خلالها واحدة من سلسلة خدماته. ففى الوقت الذى أمهل فيه صانع القرار الفلسطينى 4 سنوات لدراسة وتمحيص الخطة، تحركت حكومة تل أبيب مباشرة لفرض إرادتها على الأرض بالقوة والقهر داخل غور الأردن وغيره من المواقع. هذا الأداء يدلل على أن الخطة لا تعدو الخدعة التى تمهِّد الأرض للمزيد من السيطرة الاستيطانية على أراضى الفلسطينيين. على إسرائيل أن تؤمّن نفسها وهى تفعل ذلك.
أما جامعة الدول العربية فلأول مرة منذ عقود تتخذ قراراً حاسماً حين رفضت خطة ترامب. ورغم وجود بعض الأصوات العربية المحدودة التى عبَّرت عن قبولها الخطة، فإن غالبية الدول أدارت الأمر بعقلانية عندما توافقت على قبول ما يقبله الفلسطينيون ورفض ما يرفضونه. هذه المرة تعامل صانع القرار العربى مع واقع. فالخطة التى طرحها الصديقان الأمريكى والإسرائيلى تطلب مستحيلاً حين تخترع للفلسطينيين مجرد كيان متشرذم تطلق عليه دولة، ثم تطلب منهم نزع سلاحهم، وقبول ما يُلقى إليهم، وتمشية حالهم بـ«شوية مشروعات تنموية».
ثمة فائدة أخرى مهمة من الخطة إياها تتمثل فى الدفع بالقضية الفلسطينية من جديد إلى أجندة أولويات العرب، وعلى وجه التحديد الشباب العربى. لعلك تذكر أن «ترامب» تحدث أول ما تحدث -وهو يعرض خطته للسلام- عن شباب المنطقة الذى يحلم بواقع جديد يتزاحم بفرص العمل والتحقق. لقد ظن هو و«نتنياهو» أن الشباب العربى اليوم مختلف عن أجيال الكبار فى النظر إلى القضية الفلسطينية، لعله يراجع وجهة نظره بعد رؤية مشاهد المظاهرات الرافضة لخطته وشريكه «نتنياهو» داخل عدد من الدول العربية. البعض يراهن على أن الشعوب تعيش بذاكرة مثقوبة تساعدها على النسيان. التجربة الأخيرة تقول غير ذلك، الشعوب يمكن أن تستنيم لفترات، لكن سرعان ما تتيقظ، لأن قدرتها على التمييز بين الأعداء والأصدقاء حادة ونافذة. خطأ كبير يقع فيه الغرب ومعه إسرائيل حين يظنون أن التنسيق مع المسئولين داخل بعض الدول العربية كافٍ لتمرير ما يريدون من مشروعات. المسألة غير ذلك تماماً، لا بد أولاً من مراضاة الشعوب وإقناعها لمن يريد أن يمرر مشروعاً أو خطة أو خلافه.