توقيت القاهرة المحلي 00:47:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

آباؤنا فوق أكتافنا

  مصر اليوم -

آباؤنا فوق أكتافنا

بقلم: د. محمود خليل

دائماً ما يخرج أبى من بين سطور الحكاية. فى كل موقف يشخص ذلك الرجل المهيب فى شبابه العفى أو فى شيخوخته المهيبة، وتطل صورته ليقول لك افعل أو لا تفعل. الصغير الذى يخطو خطواته الأولى فى الحياة ويتلمس بحواسه العالم الذى دلف تواً إليه يرى أباه فى صورة «عملاق» يبدو أمامه الابن قزماً يتوق إلى حمايته وعطفه بنفس الدرجة التى يرتعد فيها خوفاً من غضبه وسطوته. تخطر السنون بالإنسان فتستوى ملامح المراهقة على عود الفتى أو الفتاة، ثم يتبختر فى سنوات الشباب، وتنتأ عليه نفسه ويبدأ فى الشعور بذاته، وقد يدفعه غرور العافية إلى تحدى العملاق الذى كانت ترتعد فرائصه منه بالأمس، قد يقهر الأب حركة التمرد تلك، وقد يحتويها، مقدراً أنه مر بهذه اللوثة فى حقبة معينة. ولا يستفيق الابن من لوثته إلا بعدما يصبح أباً. حينها ينظر إلى هذا الشيخ الجليل الذى أكلت الحياة صحته، واشتعل رأسه بالشيب، ونخرت عظامه، وكأنه أقوى البشر. فضعف المشيب قوة.. وقوة الشباب غرور. لحظتها يعلم الابن أن قهر الأب حنان، وغضبته عطف، وسطوته حماية، ونصائحه حكمة.

يظن الكثيرون أن الأبناء يذكرون أمهاتهم أكثر مما يذكرون آباءهم. وهو ظن أجده فى غير محله. فالأب حاضر حين يكون موجوداً، وحاضر أيضاً حين يغيب. لا أنسى عبارة نحتها المبدع فتحى غانم فى رواية «زينب والعرش»، يقول فيها عبدالهادى النجار: «نحن نسير وآباؤنا فوق أكتافنا». نحن فعلاً كذلك. فالبنت التى أصبحت زوجة تسترجع الأب وهى تراقب حركات وسكنات زوجها. والابن الذى أصبح زوجاً يراجع أداءه اليومى على مرآة أبيه. كل يوم يوضع رجل أمام مرآة أب، أو يقف ابن أمام مرآة أبيه. أذكر أننى فعلت ذلك كثيراً، بل قل فى كل لحظة أفعله.

ما أكثر ما أردد ما بينى وبين نفسى عبارة «كان أبى يفعل». وما أسرع ما أقف أمام مرآته وأقيس ما أفعله إلى ما كان يفعل. كان أبى، رحمه الله، قوياً حين يريد، وصبوراً حين يتعب، وعطوفاً حين يرق، وصدوقاً ولو كذب كل الناس من حوله، وقنوعاً ولو بشق تمرة. لم تُهزم رجولته أمام حاجة يبتغيها، أو منفعة يطمع فيها. عاش الحياة يزين رأسه «تاج الرضا». وما أكثر ما كان يردد «الرضا بالمقسوم عبادة». أذكر أننى لم أبك عليه لحظة وفاته، لكننى بكيت كثيراً فى لحظة شعرت فيها بعجزه كإنسان لم أره ضعيفاً أبداً، وبكيت أكثر فى لحظة عجزت فيها عن حمل نعشه فوق أكتافى.

أبى وأنت الآن فى عالم أفضل.. ابنك أصبح كهلاً يخطو إلى الستين من عمره، لكنه لم يزل بحاجة إلى يدك التى تحنو، ونصيحتك التى تغنى، ودعوتك التى تفتح الأبواب الموصدة، لم يزل بحاجة إلى الإحساس بالأمان الذى كنت تظلله به. اعلم يا أبى وأنت بين يدى رحمن رحيم أننى أذكرك فى كل لحظة، وأود من كنت تود، وأحب من كنت تحب، وأترحم على نفسك الزكية وروحك الطاهرة فى كل لحظة.. فلترقد فى سلام.. ولتهنأ برحمة ربك وعفوه ومغفرته فى عالم الحقيقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آباؤنا فوق أكتافنا آباؤنا فوق أكتافنا



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon