بقلم: د. محمود خليل
قانون التصالح فى مخالفات البناء خطوة لا خلاف على ضرورتها لتصحيح أوضاع خاطئة تواصلت لعدة سنوات، لكن يبقى أن المساواة ما بين حالات المخالفة دون تفرقة ما بين مالك جشع تطاول فى البنيان وأقام بروجاً مشيدة على مساحة كبيرة من الأرض وبين مواطن بنى بيتاً صغيراً على 50 أو 100 متر تحتاج إعادة نظر. يفرق المتخصصون فى مجال القانون بين مفهومين: مفهوم القانون، ومفهوم روح القانون. ولا خلاف على أن مسألة التفرقة بين الكبير الذى خالف بهدف الكسب الحرام والضعيف الذى خالف بحثاً عن 4 حيطان تؤويه وتؤوى أبناءه هو المعيار المثالى الذى يمكن أن نفهم من خلاله كيف تطبق الجهات التنفيذية مبدأ «روح القانون».
أحد المحامين المهتمين بهذه القضية (الأستاذ رمضان العربى) حكى لى العديد من القصص من واقع تجربته مع مسألة التصالح على مخالفات البناء خلال الأيام الأخيرة، قصص أبطالها من البسطاء والغلابة من أهل مصر، الذين بنى أحدهم بيتاً يعيش فيه على مساحة لا تتجاوز الـ100 متر، وعندما تزوج ابنه بنى له دوراً إضافياً. لا شك أن هذا المواطن خالف حين بنى على أرض ليست مملوكة له أو صعد بدور أو دورين دون الحصول على ترخيص من الحى، لكن حسن النية قائم، والحاجة إلى مأوى واضحة. ليس من المنطقى أن يطلب الحى من هذا المواطن القيام بتصوير جوى للبيت الذى بناه أو يطلب منه الانتظار لحين تعيين مستشار يراجع سلامة المبنى. فمن المؤكد أنه بنى بيتاً وليس مقبرة يمكن أن تنهد فوق «دماغه» و«دماغ عياله». كذلك فإن شروط التصالح فى مثل هذه الحالات يجب أن تنطوى على قدر من التسهيلات.
المسئولون بالمحافظات وكذلك بالأحياء يعلمون أن هناك مناطق كاملة تؤوى عشرات الألوف من السكان تكاد تكون كل المبانى فيها مخالفة، وليس من المعقول أن تشرد كل هذا العدد، وتهد البيوت المتواضعة التى تؤويهم. هذا الأمر ينطبق على جميع المحافظات فى مصر، وبالتالى فالمسألة تحتاج إلى حكمة فى التعامل، والتماس الحلول فى روح القانون، وليس فى نصوصه، حتى ولو اقتضى الأمر منح أهالينا من البسطاء المزيد من التسهيلات التى تيسر لهم تصحيح الأوضاع الخاطئة.
مالك العقار المخالف لا يهمه شىء، فقد باع وربح، المشكلة الحقيقية تظهر عند السكان الذين اشتروا الشقق -بأقل من قيمتها السوقية لأنها مخالفة- والآن يواجهون مشكلتهم بضرورة دفع الفارق فى السعر كغرامة كى يقننوا أوضاعهم. وليس من اليسير على الكثير من الأسر تدبير المبالغ المطلوبة (حتى فى شكل أقساط) بسهولة. والكل يعلم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التى تعيشها الأسرة المصرية بسبب تداعيات فيروس كورونا.
إن من يتجول فى أى مرفق للمياه أو الكهرباء أو يدخل أحد مبانى الأحياء (وهى مراكز التصالح فى المخالفات) بإمكانه أن يشاهد نماذج ويسمع قصصاً لبشر أنهكتهم الحياة. شيوخ كبار يبحثون عن لحظة راحة. أرامل يطمحن إلى من يمد إليهن يد المساعدة. أطفال يتشوقون إلى مستقبل آمن. المواطن يلتمس التعاون من الدولة فى هذه المرافق، وعندما يجدها تتعامل معه بأى قدر من التعسف فإن ذلك يخصم من رصيدها لديه. انتبهوا أيها السادة.