بقلم: د. محمود خليل
لا يزال موقف الولايات المتحدة الأمريكية من التحركات التركية فى ليبيا متميعاً. فبعد دقائق من إعلان البرلمان التركى موافقته على منح «أردوغان» وحكومته تفويضاً يمكنه من تحريك قواته وعتاده العسكرى إلى ليبيا كان هناك اتصال هاتفى بين الرئيس التركى والرئيس الأمريكى «ترامب». كل ما أعلن فى وسائل الإعلام حول هذا الاتصال هو أن «ترامب» أخبر «أردوغان» أن التدخل العسكرى سيزيد الموقف الليبى تعقيداً. لو كان ذلك هو محتوى المكالمة بالفعل فنحن أمام تصوّر «مصلحى» محدد سوف تحققه الولايات المتحدة عبر الكوبرى الأردوغانى. «المصلحة» غير واضحة حتى اللحظة بما يكفى. أما الموقف الأمريكى ذاته فآخذ فى الوضوح. فتركيا دولة صغيرة وليست إحدى كبريات دول العالم حتى يسمح لها بالدخول العلنى إلى دولة أخرى على النحو الذى نشاهده. السكوت الأمريكى على التحركات التركية يتوازى معه أيضاً سكوت أوروبى. فى تقديرى أن هذا الأمر لا بد أن نلتفت له جيداً.
أمر آخر لا بد من أخذه فى الاعتبار يتمثل فى وجود انقسام داخل الشارع التركى حول مسألة إرسال قوات إلى ليبيا. ومن تابع الجلسة التى عقدها البرلمان التركى لحسم موقفه من تفويض أردوغان فى تحريك القوات يمكنه أن يدرك بسهولة حالة الانقسام تلك. فقد تحدث أعضاء من المعارضة ومن المستقلين عن رفضهم لمسألة الدفع بأبنائهم إلى صراع عسكرى فى أرض غريبة تحت أى ظرف من الظروف. كلام المعارضة التركية عكس فهماً للمخطط الذى يتبناه أردوغان والذى يقع ضمن خطواته التحرك إلى ليبيا، بعد أن وضع قدماً فى سوريا وقدماً أخرى فى قطر. معارضو أردوغان فى أنقرة يعلمون أن التجربة الإيرانية تخايله، وأنه ينظر إلى إيران التى تضع أقدامها فى العراق وسوريا ولبنان واليمن فيحلم بأن تضع تركيا هى الأخرى أقدامها فى المنطقة العربية. فى ظنى أن «الهاجس الإيرانى» بإمكانه أن يفسر العديد من الخطوات التى اتخذها أردوغان، بما فى ذلك التحرك نحو ليبيا. وثمة «هاجس آخر» لا يقل أهمية يمكن وصفه بـ«الهاجس الأوروبى» يحرك الرجل. ففشل أردوغان فى تحقيق الحلم التركى بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى هو الذى دفعه إلى التفكير فى السيطرة على ما يستطيع من دول العالم العربى، مثلما فعلت إيران. وللأسف الشديد فإن حالة الهشاشة التى تعانى منها العديد من الدول العربية حالياً تفسح المجال أمام الطامعين فيها.
السكوت الغربى على تحركات «أردوغان» طبيعى. فالغرب يريد أن يغرق الشرق العربى فى صراعات ميليشياوية، ومعارك عسكرية يغرق فيها الجميع، وبما يؤدى فى النهاية إلى إبعاد شبح الإرهاب عن دوله. لقد أفلحت الولايات المتحدة وأوروبا عبر العمل الدؤوب لعدة سنوات من أن تعيد ميليشيات الإرهاب إلى أرض المنشأ، إنها تلعب هذه اللعبة منذ ضرب برجى التجارة فى سبتمبر 2001. وكانت الخطوة الأولى فى السعى نحو هذا الهدف هى الغزو الأنجلو أمريكى للعراق 2003، ومن بعدها خطوة رعاية تنظيم داعش فى كل من سوريا والعراق، ويبدو أنها الآن تدخل مرحلة جديدة أرادت الانتقال فيها من «عرب آسيا» إلى «عرب أفريقيا». ويبدو أنها تجد فى أردوغان أداة جيدة لتحقيق أهدافها فى إحداث «أردغانة» جديدة.. الموضوع كبير!.