بقلم: د. محمود خليل
لا بأس فى أن تطرح الحكومة مبادرة لـ«تحفيز الاستهلاك»، تتضمن خفض أسعار السلع بنسب تصل إلى 20%، ودعم السلع التى يشتريها حاملو بطاقات التموين بنسبة 10%، وذكر وزير المالية أن المبادرة تتضمن أيضاً إنشاء صندوق «قابض» بتمويل يصل إلى 2 مليار جنيه من الموازنة العامة للدولة، يستهدف تحفيز الشركات على البيع بالتقسيط، وتقديم قروض وتمويلات للمواطنين، وتوفير الضمان، وتسهيل قدرة المواطنين على الحصول على سلع وخدمات وشقق وأراضٍ، وهو ما يجعل المصانع تعمل بشكل أكبر وتوفر الوظائف للكثير من الشباب.
الفكرة جيدة، لكنها تنطوى على مفارقة لطيفة. ففى الوقت الذى كانت الحكومة تلوم فيه المواطن على الولع بالاستهلاك، وعدم الاهتمام بالإنتاج، نجدها الآن تشجعه وتحفزه على الشراء، وتقدم له التسهيلات فى السداد، الحكومة تجد نفسها مضطرة إلى ذلك بالطبع بسبب حالة الركود التضخمى التى أصابت أسواق السلع والخدمات خلال الفترة الأخيرة، نتيجة الإجراءات الاقتصادية التى اتخذتها وأدت إلى ارتفاع الأسعار بصورة أعجزت المواطن عن الشراء. فالكل الآن يجدول ميزانيته تبعاً للضرورات، فيهتم بالطعام والشراب، والحصول على الدواء، ودفع فواتير الكهرباء والغاز والمياه، بالإضافة إلى فواتير التعليم. هذه البنود لم تعد تمنح المواطن أية فرصة للتحرك إلى أية سلع أخرى، بل إن بنداً واحداً منها كفيل فى بعض الأحوال بالتهام دخل الأسرة كاملاً.
الحكومة معذورة بلا شك حين تلجأ إلى تحريك الطلب على السلع عبر تحفيز المواطن، لكنها تطلب صعباً؛ لأنه ببساطة ليس لديه ما يشترى به. المواطن المصرى استهلاكى بطبعه، ولا يوقفه عن شراء ما يلزمه وما لا يلزمه إلا العجز عن الدفع. هذا أمر لا بد أن تأخذه الحكومة فى الاعتبار وهى تحاول جذبه إلى الشراء والاستهلاك، لكن عليها أن تسلك طرقاً أخرى موازية، ربما تنجح من خلالها فى حل مشكلتها ولو جزئياً.
من هذه الطرق مثلاً تشجيع التصدير إلى الخارج -فيما يتعلق بالسلع التى يمكن تصديرها- فربما مثّل ذلك أحد المخارج من حالة الركود التى تعانى منها أسواق بعض السلع والخدمات، وقد تجد زبائن كثراً فى الخارج يغنيها عن مفلسى الداخل. إلى جوار ذلك لا بد أن تنشط الحكومة على مستوى جلب الاستثمارات الخارجية، ومؤكد أن المسئولين يعلمون ما يجب فعله على هذا المستوى، سواء على مستوى القوانين والإجراءات أو على مستوى المميزات وتهيئة الأجواء لتحفيز المستثمر العربى والأجنبى على التحرك نحو الأسواق المصرية. أمام الحكومة أيضاً طريق آخر يتمثل فى اتخاذ إجراءات فعالة تؤدى إلى مواجهة حالة الركود التضخمى التى ضربت أسواقاً عديدة.
ليس هناك خلاف على أن ركود السلع فى الأسواق له تأثيراته على معدلات البطالة، وسعى الحكومة إلى تحريك الراكد له مردوده على خلق فرص عمل جديدة وعديدة، لكن عليها وهى تفعل ذلك أن تفكر بأفق أكثر اتساعاً يمتد من الداخل إلى الخارج، أو يحاول تحريك الخارج نحو الفرص الاستثمارية فى الداخل.