بقلم: د. محمود خليل
حالة عجيبة تطل فى أداء بعض أفراد المجتمع المصرى هذه الأيام يصح أن نصفها بـ«حالة انعدام الوزن». طبيب يعتدى على ممرضة ويتم تحويله إلى التحقيق وسط حالة غضب من جانب الممرضات.. نائبة شعب تطلق الخرطوش من شباك منزلها ابتهاجاً بخطبة ابنتها. هل هاتان الواقعتان (وما يشابههما) تعبران عن تراجع فى منسوب الأخلاق؟. ظنى أن المسألة لا تبدو هكذا. نعم طرأت تحولات على أخلاق المصريين، لكن لم يزل هناك من يتشبث بها ويقيم لها وزناً. المسألة لا تعدو عتبة «انعدام الوزن». فى الواقعة الأولى التى شهدتها إحدى غرف العمليات بمستشفى طنطا الجامعى حدثت مشادة كلامية بين الطبيب والممرضة تحولت فيما بعد إلى تدافع بالأيدى!.
الموقف الذى شهده المستشفى غير طبيعى والسلوك الذى يجلله غير معتاد سواء من جانب طبيب يقع تحت يديه مريض فى غرفة عمليات فى حاجة إلى تركيزه، أو من قبَل امرأة (إحدى ملكات الرحمة) أرادت أن تعبر عن غضبها من تجاوز الطبيب بالتدافع باليد!. ربما تكون الممرضة قد أخطأت خطأ فنياً، ما أثار غضب الطبيب، لكن الطريقة التى عبر بها عن غضبه تعكس حالة انعدام وزن. فالقوانين واللوائح المنظمة للعمل داخل المستشفيات تشتمل على بنود لمعاقبة المخطئ، قد تكون أشد وجعاً وإيلاماً له من «نأرزته بكلمتين». رد فعل الممرضة أيضاً يعبر عن حالة انعدام وزن، فبإمكانها أن ترد على أى تجاوز معها بالأطر والأدوات اللائحية، لكنها آثرت أن ترد الكلمة بالكلمة والدفع بالدفع. ربما كانت هناك ضغوط غير معلومة دفعت بأحدهما أو كليهما إلى ذلك، لكن يبقى أن الاستسلام للضغوط يؤدى إلى حالة انعدام وزن.
على النقيض من ذلك جاءت واقعة نائبة الخرطوش فقد أرادت أن تعبر عن فرحها بخطبة ابنتها، وهذا حقها ولا شك، لكنها سلكت مسلكاً عجيباً فى التعبير، فأمسكت ببندقية وأخذت تفرغ ما فيها من طلقات. تعلم النائبة أن حوادث كثيرة وقعت بسبب هذا النمط العجيب من أنماط التعبير عن البهجة فى الأعراس، راح ضحيتها أبرياء -من بينهم أطفال- لا ذنب لهم إلا الوجود بالصدفة فى سياق المشهد. وقد شهد العام الحالى عدة مبادرات لمنع هذا السلوك فى الأفراح، وليت مجلس النواب يسن تشريعاً يجرم ذلك بشكل قاطع ويحدد عقوبات صارمة لمن يأتى هذا السلوك، أسوة ببعض الدول العربية المجاورة التى تعانى من هذه الممارسات نفسها.
النائبة عبرت عن فرحتها بصورة مبالغ فيها، وعندما تداخلت مع بعض الإعلاميين ضمن برامج تليفزيونية بدت مستفزة وغاضبة وضائقة الصدر بمن يناقشها فى الأمر. والحقيقة أن نائب الشعب لا بد أن يفتح قلبه وعقله للرأى والرأى النقيض، وإن كان أى من نوابنا يعطى الحق لنفسه لمحاسبة أى مسئول ومراقبة أدائه، ويطالبه بأن يسمع له، فالأولى به أن يسمع للآخرين، وإلا فنحن أمام حالة من حالات انعدام الوزن فى التعبير عن الفرحة أو التعبير عن الغضب.. محتاجين نهدى شوية!.