بقلم: د. محمود خليل
أواخر أكتوبر عام 1929 شهدت بورصة نيويورك انهياراً مدوياً أدى إلى حالة من الارتباك العنيف فى الاقتصاد الأمريكى. فى البداية ظن المتعاملون أن المسألة مؤقتة، وراهنوا على أن بيع وشراء الأسهم لعبة يحكمها قانون الصعود والهبوط، لكن الأيام التالية للانهيار أكدت أن قواعد اللعبة اختلفت وأن المنحى لم يعد يعرف سوى مسار الهبوط إلى ما تحت الأرض. الإدارة الأمريكية حينذاك لم تحرك ساكناً، لأنها كانت تؤدى بمبدأ أن «السوق يصحح نفسه بنفسه» وأن اللاعبين الكبار لديهم القدرة على تصحيح المسار وإنقاذ الاقتصاد من الانهيار، لكن التجربة أثبتت أن الأمر ليس كذلك وأن الكبار نجوا فقط بمالهم ومقدراتهم، أما أفراد الطبقة الوسطى الذين أعجبتهم فكرة المراهنة على الأسهم واجتذبتهم بروباجندا الثراء السريع والاستهلاك غير المحدود فقد انكفأت على وجهها وخسرت الكثير مما تملك. وأكل غول البطالة وخفض المرتبات الكثيرين.
ما حدث فى بورصة نيويورك كان له صداه على العديد من دول العالم، وإن اختلف من دولة إلى أخرى. تأثرت دول أوروبا بشكل حاد، فى حين كان التأثير أقل لدى دول أخرى. صدى الأزمة المالية العالمية التى سادت حقبة الثلاثينات من القرن الماضى وصل إلى مصر. ولعلك تعلم أن المخرج المبدع كمال سليم عالج تداعيات هذه الأزمة على الاقتصاد المصرى فى فيلمه الشهير «العزيمة».
توقع الكثيرون أن تعيد أزمة كورونا الكثير من مشاهد انهيار الاقتصاد العالمى الذى بدأ عام 1929 وتواصل بعدها لعقد كامل. فى الولايات المتحدة قدر البعض عدد من وقفوا فى طوابير طلب إعانات البطالة بعد الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الحكومة درءاً لمخاطر فيروس كورونا بـ7 ملايين أمريكى. ولك أن تتوقع حجم الملايين التى ستحتشد بها سوق البطالة فى الولايات المتحدة مع استمرار تفشى الفيروس. والأمر نفسه ينطبق على أوروبا وروسيا والصين وكبريات دول العالم. أما دول العالم الثالث فحدث ولا حرج. دول الخليج على سبيل المثال تعانى تراجعاً واضحاً فى حجم دخلها المالى من الانخفاض فى أسعار النفط. وكل الإجراءات التى اتخذتها «أوبك بلس» لتصحيح الأوضاع لم تجدِ نفعاً. مشاهد التراجع فى بورصات دول الخليج خلال الأسابيع الماضية تشابهت بصورة أو بأخرى مع مشاهد انهيار البورصات العالمية عام 1929. ومن المتوقع أن يصل صدى الاهتزاز الذى أصاب الاقتصاد الخليجى إلى دول المنطقة كافة، يكفى فى هذا السياق أن نستذكر تأثير ذلك على «العمالة الوافدة» التى أصبحت فى مرمى الدعوات الشعبية وأحياناً الرسمية التى تنادى بتقليل حجم الاعتماد عليها.
الكل سوف يعانى بعد زوال ابتلاء كورونا. وأكبر سببين للمعاناة سيتمثلان فى انتشار البطالة من ناحية والكساد من ناحية أخرى، وسوف يبيت أصحاب الديون فى هم كبير. والمشكلة أن تجربة التعامل مع كورونا أظهرت قدراً كبيراً من الأنانية من جانب الدول. فكل دولة أدت بمنطق «أنا ومن بعدى الطوفان». والأرجح أن هذا المنطق سوف يحكم كل الدول وهى تتعامل مع التداعيات الاقتصادية للجائحة، وهو ما يدعو دول العالم الثالث على وجه الخصوص إلى الإسراع فى ترتيب أوراقها قدر ما تستطيع حتى تتمكن من الخروج من الجائحة الاقتصادية المتوقعة فى أعقاب جائحة كورونا.