بقلم: د. محمود خليل
يوم الثلاثاء الماضى توفى الشيخ محمد محمود الطبلاوى، آخر حبة فى السبحة المباركة لقراء القرآن الكريم التاريخيين فى مصر المحروسة. وأجد من المناسب أن أعيد نشر هذا المقال الذى كتبته عنه -أظله الله بسحائب رحمته ونور مغفرته- أواخر أغسطس عام 2017:
تلاوة نورانية من سورة «الزخرف» بصوت الشيخ محمد محمود الطبلاوى -أطال الله فى عمره ومتّعه بالعافية- فاجأتنا بها قناة «ماسبيرو زمان» يوم الجمعة الماضى. كان الصوت متألقاً بفتوة الشباب، فتدفّقت الآيات نافذة إلى أعماق القلب. الشيخ «الطبلاوى» من قراء القرآن الكريم الذين لم يحظوا بما يستحقونه من تكريم، لا خلاف على أن «سمّيعة» الكتاب الكريم يعلمون قيمة وقامة الرجل، ومدرسة التلاوة التى تفرّد بها بين مجموعة من العمالقة الذين تعاصر معهم، مثل الشيخ عبدالباسط عبدالصمد ومحمود خليل الحصرى وعبدالعزيز على فرج وغيرهم. صوت وأداء «الطبلاوى» كان مختلفاً، رغم التنويعة المبهرة -بل قل المدهشة- التى امتازت بها كوكبة قراء القرآن الكريم فى مصر، وامتاز بمجموعة من السمات المميّزة، كان أخصّها القوة، وطول النفس، وجمال القرار والجواب فى تلاوته. عشقت مع مجموعة من أصدقاء الصبا صوت الشيخ «الطبلاوى»، كنا حينئذ فى السنين الأولى للدراسة الجامعية، وكانت صلاة الجمعة بالجامع الأزهر متعة روحية نعيشها كل أسبوع، ونحن نستمع إلى آيات الذكر الحكيم بصوت الشيخ «الطبلاوى»، وكان حينئذ المقرئ الرسمى للأزهر، فى حين كان الشيخ عبدالباسط -رحمه الله- مقرئ «الحسين».. وما أكثر ما كنا نهرول خلفه فى أى مكان كنا نعلم أنه سيتلو فيه آيات القرآن الكريم، حتى نعيش الأجواء السامية التى يضعنا فيها، وهو يخشع بكلام المولى عز وجل.
تابعت الكثير من الحوارات الصحفية والتليفزيونية مع الشيخ محمد محمود الطبلاوى، وأحياناً ما كنت أحس بأن الشيخ يشعر ببعض المرارة، بسبب عدم الاعتبار بموهبته، بما يليق بها، يكفى أن أشير فى هذا السياق إلى أن إذاعة القرآن الكريم تُحجم عن بث نسخته المرتّلة للقرآن الكريم فى خدماتها للمستمع المصرى، مكتفية بإذاعة تلاوات الكبار: الشيخ محمود خليل الحصرى، والشيخ محمد صديق المنشاوى، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ محمود على البنا. وواقع الحال أن موقع الشيخ «الطبلاوى» لا بد أن يكون بين هؤلاء الكبار، لأنه بالفعل يستحق ذلك. وإن لم تخنى الذاكرة، فقد وصفه الكاتب الراحل محمود السعدنى ذات يوم بأنه آخر «حبة» فى «السبحة المباركة» لقراء القرآن الكريم فى مصر. قِس على ما تفعله إذاعة القرآن الكريم ما تفعله محطات الإذاعة وقنوات التليفزيون التى تحتفظ فى مكتبتها بالكثير من شرائط تجويد القرآن الكريم بصوت الشيخ «الطبلاوى» وتبخل على المستمعين ببثها بصورة غير مفسرة ولا مبررة، وذلك فى وقت تبث فيه ترتيلاً وتجويداً للقرآن الكريم بأصوات خليجية، لا نُقلل من قيمتها بالطبع، فكلام الله له قدسيته أياً كان الصوت الذى يخشع به، لكن أحداً لا يختلف على أن المصريين هم أعظم من جود ورتل القرآن الكريم فى العالم الإسلامى.