بقلم: د. محمود خليل
لعلك سمعت عن سيارة «القيادة الذاتية»، حيث تسير السيارة بسائق آلى، يملك القدرة على تفادى الحوادث، أو على الأقل تقدير المواقف -حال التصادم- بشكل يقلل من الخسائر المادية والبشرية. ربما تكون قد قرأت أيضاً عن تجربة شركة أمازون فى إنشاء سوبر ماركت بالولايات المتحدة يدار ببرامج الذكاء الاصطناعى بشكل كامل ولا يحتاج إلى عمالة بشرية، وذلك من خلال تطبيق على الموبايل يسمح لك حال تنزيله بدخول السوبر ماركت والتقاط ما تشاء من الأرفف، وكل ما تحصل عليه يسجل عبر برامج الذكاء الاصطناعى، ثم تقف فى الختام على ماكينة تخرج لك فاتورة الحساب، الذى يتم خصمه تلقائياً من حسابك الرقمى المسجل. هناك أيضاً تفكير فى أن يتم تسليم السلع من خلال الطائرات المسيرة «الدرون دليفرى» التى تصل بالسلعة من مكان الإنتاج إلى موقع التسليم، إذا سمح لها بذلك بالطبع.
الدنيا تتغير وبرامج الذكاء الاصطناعى أصبحت تقوم بالعديد بالمهام التى يقوم بها البشر، ومساحة تمدد هذه البرامج فى المجالات الإنتاجية والأنشطة الحياتية تتزايد يوماً بعد يوم، وتصل إلى مجالات لم يكن يتصور أحد أن تصل إليها. على سبيل المثال: تجد للذكاء الاصطناعى تطبيقات فى مجال العمل الإعلامى، واللافت أن له أيضاً تطبيقات فى المجال الشرطى. ولعلك لاحظت تلك السيارة التى يعلوها روبوت وتتابع عملية حظر التجول فى شوارع بعض الدول وتكشف عن كارنيهات الشخصيات المسموح لها بالتجول خلال ساعات الحظر، مثل الأطباء. ويعنى ذلك أن من الممكن أن نتوقع وجود «درك آلى» قادر على إمساك أى مخالف. ومن المضحك أننا كنا نقرأ قصة فانتازية ونحن أطفال عنوانها «الإنسان الآلى مسك الحرامى»، ولم يكن أحدنا يصدق أن نجدها واقعاً معاشاً أو مقبولاً فى يوم من الأيام، لكن أشياء كثيرة بدأت خيالاً، ثم تحولت إلى حقيقة.
كل شىء يتغير لصالح الذكاء الاصطناعى وبرامجه، ولن تصبح هناك حاجة فى المستقبل إلى عدد كبير من البشر لإدارة العمل فى مجالات الحياة المختلفة، ويبدو أن تقدير صاحب كتاب «فخ العولمة» كان صحيحاً وهو يقرر أن الفرص ستتاح لنسبة 20% فقط من قوة العمل داخل أى مجتمع، وأن الـ80% سيتم ترويضها بصورة أو بأخرى. وأخشى أن تهيئ ظروف الصدمة التى يعيش فيها البشر حالياً بعد تفشى فيروس كورونا فى دول عدة مسرح الحياة لدخول الفكر وأسلوب الحياة والإنتاج القائم على الذكاء الاصطناعى، خصوصاً أن الإجراءات التى اتخذت لمنع تفشى الفيروس تركزت كلها حول فكرة العزل وتسكين العمالة فى البيوت، واستضعاف الكبار أو وضعهم تحت سيف التهديد بالإصابة بالمرض. كل هذه الأمور تنذر بتحول قادم سوف يبدو مبرراً من وجهة نظر البعض، لأن نزيف الخسارة الاقتصادى بدأ داخل كل دول العالم منذ اللحظات الأولى التى بدأت فيها الإجراءات الاحترازية.
الأزمة الاقتصادية -أو الكارثة إن شئت- ستهيئ الساحة العالمية، لكى يدخل رجال رأسمالية الكوارث بثقلهم، مستغلين الصدمة المزدوجة (الصحية/الاقتصادية) التى يعانى منها البشر، وسوف يكون تحركهم على صفحة تكاد تكون بيضاء، بما يمكنهم من رسم خرائط العمل والاستثمارات والأنشطة الاقتصادية بالاعتماد على مفهوم الذكاء الاصطناعى، بصورة تؤدى إلى تحقيق نبوءة بعض المفكرين عن زمن «الحفرة» التى سيسقط فيها البشر.