بقلم: د. محمود خليل
هناك وجهة نظر تذهب إلى أن ثمة فرصاً تاريخية سابقة أتيحت للفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة على أنقاض ما تبقى لهم من أرض بعد حرب عام 1948، لكنهم لم يتمسكوا بها وتعالوا عليها، وتساق وجهة النظر تلك على هامش الخطة الحالية التى طرحها «ترامب» لإيجاد دولة فلسطينية، تبعاً لتصور صانع القرار الإسرائيلى، وأقل ما يمكن أن يُقال حول هذا التصور أنه يقدم للفلسطينيين دولة كارتونية مجهولة الحدود، معدومة السيادة، موزّعة الأرض.
زمان كان الرئيس التونسى الراحل الحبيب بورقيبة لا يفتأ يلوم الفلسطينيين على عدم مبادرتهم إلى قبول قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة لليهود ودولة لعرب فلسطين، وهو القرار الذى صدر عن الأمم المتحدة عام 1947 ولم يرض به العرب ولا الفلسطينيون. وبعيداً عن أن «بورقيبة»، رحمه الله، كان يكايد الرئيس عبدالناصر بهذا الكلام، فكلامه يبقى -فى تقديرى- كلاماً نظرياً. فمشروع إسرائيل كان واضحاً فى إقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين كاملة. والأحداث التاريخية التى تلاحقت خلال العقود التى تلت حرب 48 تشهد على ارتكاز الدولة الإسرائيلية على فكرة التوسّع الاستيطانى. التجربة تقول إنه لو قبل الفلسطينيون ومعهم العرب بفكرة التقسيم حينها لماطلت إسرائيل.
ومسألة المماطلة الإسرائيلية فى حل المشكلة الفلسطينية تأكدت عندما أطلق الرئيس أنور السادات رحمه الله، مبادرة السلام 1977. فاتفاقية كامب ديفيد (1978)، وهى اتفاقية مبادئ كانت من شقين: شق يتعلق باسترداد سيناء، والشق الثانى يرتبط بإقامة دولة فلسطينية. ولك أن تقرأ أياً من مذكرات الدكتور بطرس بطرس غالى، أو مذكرات محمد إبراهيم كامل، عضوى الوفد المصرى للمفاوضات، لتطلع على تفاصيل التعنت الذى أبداه الإسرائيليون فى ما يتعلق بترتيبات وأطر استرداد سيناء، وما يشبه الانغلاق فى ما يتعلق بأطر إقامة الدولة الفلسطينية. وإذا كانت مصر قد استردت أرضها ووقعت مع إسرائيل اتفاقية سلام عام 1979، فقد كان السر فى ذلك هو موقع القوة الذى تتفاوض منه، بعد أن تمكن الجيش المصرى من تلقين إسرائيل درساً لا يُنسى فى حرب أكتوبر 1973. الوضع كان مختلفاً بالنسبة للفلسطينيين، وتجربة مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل تؤشر إلى أن صانع القرار فى تل أبيب لم يكن لديه أى نية لمنح الفلسطينيين حقهم العادل والمشروع فى إقامة دولتهم.
إن محاولة إلصاق تهمة إضاعة فرص السلام بالفلسطينيين فيه ظلم كبير لهم، كما تعكس نظرة غير واقعية لإسرائيل ولتعنتها المعروف فى منح الشعب الفلسطينى حقوقه. الفلسطينيون ليسوا فى حساب الأمريكان ولا الإسرائيليين. لقد أسس «ترامب» و«نتنياهو» لخطتهما للسلام فى الظلام وأعلناها بشكل منفرد وبمعزل عن الفلسطينيين، وكأنهم ليسوا على خريطة الوجود. لوم الفلسطينيين على عدم استغلال فرص السلام وإقامة دولة مستقلة تجمع شتاتهم يعتمد على منهجية ترتكز على فكرة «لوم الضحية» وترك الجانى يفكر ويخطط ويدبر ويفرض ما يريد، لا لشىء إلا لأنه يمتلك أدوات القوة وقهر الآخرين على ما يريد. ومن يغلبه الشعور بالقوة لا يمنح شيئاً.