بقلم: د. محمود خليل
أبرم السادات اتفاقية «كامب ديفيد» مع إسرائيل عام 1978، وبعدها بعام وقَّع على اتفاقية السلام التى نصت على انسحاب إسرائيل من سيناء، وأصبح الإعلام يُلقبه بـ«بطل الحرب والسلام».
كان لهذه الخطوة صدى كبير على الداخل المصرى والخارج العربى، دعنا نبحر أولاً فى الداخل لنقترب من رد فعل الأداهم على الخطوات الخطيرة التى اتخذها السادات. قلت لك إن قطاعاً من المصريين رحَّب بالسلام مع إسرائيل بسبب ما عاناه من مشكلات وما قدمه من تضحيات فى الحروب المتعاقبة معها منذ حرب 1948 وحتى نصر 1973، فى وقت هاجم فيه الشباب السادات وجهّلوا الكبار وأصروا على أن «الرخاء» الذى يعد به «السادات» ويربطه بالسلام لا يعدو الوهم.
فعوائد السلام -مثلها مثل عوائد نصر أكتوبر- سوف تصب فى يد الحفنة القليلة من المنتفعين من المحيطين بالسادات.
كان «السادات» يعلم حجم المعاناة والمشكلات التى تواجه الأداهم، وكان يعلقها باستمرار فى رقبة الحرب التى استنزفت القدرات الاقتصادية لمصر وأرهقت ميزانيتها وأعجزتها عن توفير الحياة الكريمة لأبنائها. وردد أيضاً أنه تسلم البلد وهو خرابة من جمال عبدالناصر، تماماً مثلما كان يردد عبدالناصر أنه تسلمها خرابة من الملك، ومثلما ردد «مبارك» بعد أن تسلمها من «السادات»، وكأن ذلك دأب كل مَن يحكم الأداهم. ربما كان هذا الكلام يعكس جزءاً من الواقع، لكنه بحال لا يعبِّر عن الواقع ككل، ولا يعدو أن يكون نوعاً من التبرير للتوجهات الاقتصادية المختلفة التى سينتهجها الوالى الجديد والتى سوف يشكل من خلالها خريطة المعيشة الأدهمية.
لم يحدث جديد على مستوى معيشة الأداهم بعد السلام، وظلوا على ما هم عليه من أحلام بالعلاوة القادمة أو منحة عيد العمال أو أى زيادة فى الأجور كانت تبتلع فى الثقب الأسود للغلاء.
انتقلت العقارات من سوق الإيجار إلى دنيا التمليك مما ألهب أسعارها، وأصبح الحصول على شقة لا يقل أسطورية عن أحلام ألف ليلة وليلة بالنسبة لقطاع كبير من شباب الأداهم.
وبدلاً من أسلوب الصدمة الذى انتهجته الحكومة الأدهمية عام 1977 وأدى إلى انتفاضة الخبز ظهرت سياسة جديدة تعتمد على زيادة الأسعار بسياسة «الخطوة - خطوة»، تماماً مثلما كانت أمور السلام تسير بالسياسة الكسنجرية نفسها.
لم يستفِد من الأوضاع الجديدة التى ترتبت على السلام سوى الحفنة المحيطة بالحكم، فازدادت القطط السمان بدانة. وعبارة «القطط السمان» نحتها الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين فى وصف أثرياء الانفتاح والمستفيدين من الحالة الجديدة التى أوجدها السلام مع إسرائيل. توجه السادات إلى إنشاء مدن جديدة ومد طرق وجسور وشرع فى إيجاد علاج للمشكلات المزمنة فى خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحى، وقد أنجز على هذا المستوى إنجازات ذات قيمة، لكن الحياة اليومية للأداهم كانت مرهقة للغاية.
لم تفوِّت أحزاب المعارضة وكذا التيارات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان فرصة المعاناة المعيشية فاستثمرتها وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من أجندة اهتمامات ما تصدره من جرائد ومجلات، وكان هذا الأمر يغضب السادات للغاية، واقترن الهجوم على الأوضاع المعيشية بهجوم موازٍ على ارتماء السادات فى أحضان الأمريكان وكذا على الخطوة التى اتخذها بعقد اتفاق سلام مع إسرائيل، الأمر الذى دفع الرئيس فى النهاية إلى تهديد المعارضة بأن «للديمقراطية أنياباً أشرس من أنياب الديكتاتورية».