بقلم: د. محمود خليل
المتتبع للجهد الإصلاحى الذى قام به الإمام محمد عبده فى «الميدان الاجتماعى» سيلاحظ تركيزه على الثالوث الأخلاقى المدمر للمجتمعات، وهو ثالوت «الرشوة/النفاق/الكيف». حارب الإمام «الرشوة» وتعجب من التحول الثقافى فى النظر إليها وحالة القبول الاجتماعى لها، وقال: «لقد كادت الرشوة أن تكون من الوسائل المحمودة لنجاح المقاصد ودفع الغوائل، ومن الناس من تكون حقوقه بينة جلية الثبوت ولا يكتفى بذلك فى اقتضائها فيسارع إلى الرشوة يدفعها لمن يرجع إليه تخليص حقه، وقد ينهره الحاكم العفيف ولا يرضى بقبولها، وهو من سفهه يتوسل ويتضرع إليه فى قبولها، وليس ذلك إلا لرسوخ تلك العادة الشنيعة المضرة بالدنيا والدين فى طباع أدنياء الهمم». أسهب الإمام فى الحديث عن الرشوة المنتشرة بين الموظفين والتى يستسهلها الجمهور لتمرير مصالحه داخل أكثر من مقال ونوه برفض الشرائع الإلهية لها لما تجلبه من فساد وما تؤدى إليه من اضطراب فى الحياة العامة وما تتسبب فيه من ضياع لحقوق البشر.
توقف محمد عبده أيضاً أمام مسألة ميل المصريين إلى «القول أكثر من الفعل» وهو ما يعد مقدمة طبيعية لسقوط الفرد والجماعة فى «بئر النفاق». وذكر الإمام فى هذا السياق أن «القول الذى لا يعضده الفعل يحسب من أردأ الأوصاف وأقبحها لأنه يشعر بوجود أوصاف تشهد بالبداهة بقبحها، ومن الأسف أن الوصف يوجد فى الكثير من أهالى بلادنا، بل فى الغالب منهم، بل لا يوجد القائل الفاعل إلا قليلاً». تطرق الإمام أيضاً إلى عادة «التملق» السائدة بين قطاع من المصريين، خصوصاً قطاع الموظفين، واعتبرها جوهراً من جواهر الأمراض الاجتماعية الشائعة فى البلاد. ويرى أن الموظفين معدومى الكفاءة ومحدودى القدرات يعتمدون على هذا الخلق فى الترقى «ولا يجد المتوظف من وسيلة يحافظ بها على مركزه ووظيفته عندما يتغير رئيسه الأول سوى مذمته عند الخلَف وتعداد مثالبه ومساويه وغلطاته وهفواته، وبهذا ترتاح نفس الخلف إليه وترضى عنه فلا يمسه بسوء». كان الشيخ الإمام واعياً بالعديد من الأمراض الاجتماعية التى ضربت المصريين فى جوانب شتى من حياتهم، فتصدى لتحليلها وتصحيح مفاهيم الناس حولها، واعتبر مواجهتها ركناً ركينا من تجربته الإصلاحية.
حارب الشيخ الإمام أيضاً العديد من الآفات السلوكية الأخرى التى كانت شائعة بين المصريين خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، مثل «تعاطى الكيوف». كان الحشيش والأفيون من الكيوف الشائعة لدى المصريين خلال هذه الفترة. تحدث الإمام طويلاً عن الأضرار البدنية والعقلية والأخلاقية والاجتماعية الناتجة عن إدمان الحشيش ومعدلات انتشاره العالية بين المصريين وتعاطيه بشكل معلن على المقاهى وفى الطرق والأزقة، وبيعه بصورة عادية فى الدكاكين، ودعا إلى ضرورة أن تنهض الدولة بمواجهة شاملة لهذا الوباء المتفشى بين عوام المصريين وخواصهم. وكان عوام المصريين حينذاك أميل إلى تعاطى الحشيش، وكان سفيههم يوصف بـ«الحشاش»، فى حين أغرم الخواص بالأفيون، وكان سفيههم يطلق عليه «الأفيونجى».