توقيت القاهرة المحلي 15:37:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كل حاجة وعكسها

  مصر اليوم -

كل حاجة وعكسها

بقلم: د. محمود خليل

بعض «علماء الدين» لا يختلفون كثيراً عن بعض مَن يطلق عليهم رجال الدولة، يدفسون أيديهم فى الجيب اليمين فيخرجون لك ما يؤكد أن أمراً ما حلال، ثم يدفسون أيديهم فى الجيب الشمال فيخرجون لك ما يثبت أن نفس الأمر حرام!. بعض رجال الدولة يفعلون ذلك أيضاً. حكى أحد الوزراء ذات مرة عن أول يوم له فى الوزارة، فقال إن أحد كبار الموظفين دخل عليه بمذكرة تتعلق بموضوع معين ليوقع عليها. سأل الوزير الموظف: هل هذا الموضوع قانونى أم ليس قانونياً؟. فابتسم الكبير وقال له: حسب ما تريد؟. فتعجب الوزير وقال: كيف؟!. فرد الراسخ فى علم الدولة: هناك بنود فى اللوائح والقوانين تؤكد شرعيته، عليك أن تستعين بها إذا أردت تمريره، وهناك بنود فى اللوائح والقوانين تقول العكس إن أردت رفضه.

منذ بضعة أيام خرج علينا الداعية السعودى «عادل الكلبانى»، إمام المسجد النبوى السابق، يقول إن النبى محمداً، صلى الله عليه وسلم، كان يستقبل مطربات فى بيته، وإن تعليم الموسيقى حلال بشرط عدم إجبار الطالب عليه. استند الداعية فى فتواه إلى عدد من الأحاديث النبوية التى تثبت صحتها. فى المقابل أثار حديث المطربات اللائى يغنين فى بيت النبى غضب آخرين فانطلقوا يحاججونه على مواقع التواصل الاجتماعى بأحاديث نقيضة تؤكد حرمة الغناء والمعازف وتتحدث عن مزمار الشيطان، وغير ذلك من كلام. ولأن الأحاديث المؤيدة للغناء والموسيقى وكذا المحرِّمة لها نسبها الرواة إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، فقد لجأ البعض إلى جدل موازٍ عن قوة السند ودرجة ضعف أو قوة الحديث، وهكذا.

قد لا أبالغ إذا قلت إن أى موضوع جدلى فى الحياة المعاصرة يمكن أن تجد فى التراث ما يؤيده إذا أردت تحليله، ويمكنك أيضاً أن تجد ما ينفيه ويعارضه إذا رغبت فى تحريمه، والسر فى ذلك أن رجال الدين فى العصور الأولى لتشكل دولة الخلافة (وتحديداً خلال العصر الأموى والعصر العباسى الأول) كانوا يعملون فى معية الخلفاء والأمراء، تماماً مثل موظفى الدولة المعاصرين الذين يعملون فى معية الوزراء والمسئولين. نظرة واحدة من عين الخليفة أو الأمير أو همسة يهمس بها كانت كفيلة بأن يفهم رجل الدين المطلوب فيسارع إلى تدبيج الفتوى بالشكل الذى يرضى السلطة، وهو لن يعدم حيلة فى ذلك، لأن عملية الوضع أو الدس على النبى كانت على أشدها فى بعض الأوقات. يكفى لكى نستدل على ذلك أن نشير إلى أن كتاب صحيح البخارى اشتمل على أربعة آلاف حديث، وبالأحاديث المكررة يتجاوز رقم السبعة آلاف بقليل، تمثل على وجه التقريب نسبة 10% من الأحاديث التى كانت رائجة فى عصره، وبعد سنين من تداول كتاب «البخارى» بين المسلمين يرى البعض أنه ما زال يحتاج إلى تنقية، بسبب اعتماده على التدقيق فى السند أكثر من التحليل العقلى للمتن أو المضمون الذى يشتمل عليه فى ضوء المرجعية القرآنية.

هذا التناقض أساسه رجال الدين الذين لبسوا عباءة الدولة، ورجال الدولة الذين خرجوا من سيالة الموروث الفكرى الذى لم يخضع للمراجعة والتدقيق فأدى إلى بناء مشهد «كل حاجة وعكسها».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كل حاجة وعكسها كل حاجة وعكسها



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon