بقلم: د. محمود خليل
كل ما يمكن أن تقرأه فى خبر يحدثك عن ظهور «مهدى» جديد ستجده حاضراً فيما حكاه «الجبرتى» فى كتابه «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار». فجلهم يهذى ويخلط بين ادعاء النبوة وزعم المهدية. يدعى فى البداية أنه رجل يأتيه الخبر من السماء ويسعفه الوحى، وعندما يقابل المؤمنون بأن محمداً هو خاتم الأنبياء قوله بالرفض والاتهام، يتحول إلى الزعم بأنه المهدى المنتظر الذى جاء منذراً بنهاية الزمان وبقرب القيامة، وقد يتلو عليهم قوله تعالى: «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ». راجع نص التحقيقات مع أى شخص أعلن نفسه مهدياً على أى من المواقع الصحفية ستجد أن هذا فكره وذلك خطابه.
كأنه لا جديد تحت الشمس فى وقائع وحكاوى «المهدية» فى مصر. فالقصة التى حكاها «الجبرتى» عن رجل من «شربين» ادعى النبوة ثم زعم أنه «المهدى المنتظر» لا تختلف فى خطوطها الرئيسية وكذا تفاصيلها عما تسمعه من حكاوى المهدية فى هذا الزمان. واقعة «الجبرتى» شهدتها مصر عام 1143 هجرية والذى يوافق عام 1731 ميلادية، أى بعد ما يقرب من قرنين من الزمان من دخول العثمانيين إلى مصر، وكان والى مصر فى ذلك الوقت عبدالله باشا السكبورلى. خرج الدَّعى فى مدينة «شربين» وأعلن للناس أنه نبى مرسل من السماء، وأن هاتفاً هتف به ليلة 27 رجب فالتفت إليه فإذا به جبريل، فأخذه وعرج به إلى السماء ودعاه إلى إمامة الملائكة فى الصلاة، ثم أذّن جبريل وأقام الصلاة وتقدم «الشربينى» ليصلى بالملائكة ركعتين. وبعد أن انتهى أعطاه جبريل ورقة وقال له أنت نبى مرسل!. عندما سمع أحد المشايخ هذا الكلام صرخ فى وجهه: «أنت مجنون»، فادعى أنه المهدى المنتظر المنذر بنهاية الزمان.
الموقف الرسمى من «الشربينى» كان حاسماً فقد رفض الأزهر كلامه ونعته المشايخ بالجنون والزيغ والضلال، وقرر المملوك «عثمان كتخدا» إدخاله «المارستان»، لكن الموقف الشعبى كان جد مغاير فقد اجتمع عليه «العامة والناس» كما يصف «الجبرتى»، فتقرر إخفاؤه عن أعين الحشود فتقرر حبسه واستتابته لمدة ثلاثة أيام فلم يتب وأصر على ما هو عليه فأمر الوالى بقتله فقتلوه وهو يردد قوله تعالى: «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ».
كان ظهور الدعى الشربينى فى أوائل رمضان 1134 هجرية، وقد حدث بعد مرور ما يقرب من 3 أشهر وبالتحديد فى 24 ذى الحجة من العام نفسه حدث لافت تحدث فيه «الجبرتى» عن انتشار إشاعة قوية بين المصريين بأن القيامة قائمة يوم 26 ذى الحجة، ويقول: وفشا هذا الكلام فى الناس قاطبة حتى فى القرى والأرياف وودع الناس بعضهم بعضاً وكان المرء يقول لرفيقه: بقى من عمرنا يومان. هل هناك صلة بين واقعة «الشربينى» و«إشاعة القيامة»؟. وارد طبعاً. فالواضح أن نسبة من المصريين تعاطفت مع «الشربينى» وتوهمت أنه بالفعل المهدى الذى يظهر آخر الزمان. وسريان شائعة «يوم القيامة» التى حكى عنها «الجبرتى» تشير إلى تأثر الناس بما زعمه، والدليل أنهم توقعوا بعد مقتله أن تقوم القيامة!.