بقلم: د. محمود خليل
فكرة «البحث عن مهدى» جزء من التركيبة الثقافية للمصريين، وهى تجد أساسها فى الموروث الدينى الذى يحتل جزءاً لا بأس به من خريطة العقل المصرى. ولست أقصد بالموروث الدينى هنا القرآن الكريم، الذى تعتبر آياته الكريمة كل فرد «منقذاً» لنفسه بالكد والاجتهاد فى الدنيا والالتزام بأوامره واجتناب نواهيه حتى يعبر سالماً إلى الدار الآخرة. أقصد بالموروث الدينى بعض الفهوم والأفكار التى خلفّتها كتب التراث لبعض الآيات الدينية والأحاديث النبوية، التى تستحق التحفّظ. نبدأ بالأحاديث ونقول إن هناك أحاديث نبوية كثيرة تتحدث عن عودة المسيح عليه السلام. ولا يستطيع المرء أن يفرق وهو يقرأ هذه الأحاديث بين الحقيقى والمجازى فى ما تحمله من ألفاظ وأفكار، وهل المقصود بما تحمله من كلمات ومعانٍ العودة الواقعية الحقيقية للمسيح، أم فكرة التصالح البشرى على القيم النبيلة التى تتشارك فيها كل الأديان، من زاوية أن نبى الله عيسى جاء ليُكمل ناموس النبى موسى، وأن محمداً بن عبدالله حمل الرسالة الخاتمة.
وثمة أحاديث تضع المهدى المنتظر فى صورة أخرى، هى صورة شخص يحمل اسم النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه (عبدالله) وينتمى إلى أهل البيت، وأنه سينزل فى آخر الزمان (أى قبل أن تقوم القيامة)، ويملك العرب، مثل الحديث الذى يقول: «لا تذهب -أو لا تنقضى- الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتى، يواطئ اسمه اسمى، واسم أبيه اسم أبى». ولا يخفى عليك أن المعنى الذى يحمله هذا الحديث يتناقض مع آيات قرآنية عديدة تنفى علم النبى، صلى الله عليه وسلم، بموعد قيام الساعة: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ». ولا يخفى عليك أن دلالة كلمة «بغتة» داخل الآية الكريمة -أى فجأة- تثير الحيرة فى المعنى الذى يحمله الحديث حول دلالة ظهور المهدى المنتظر على نهاية العالم، مما يعنى تحديداً تقريبياً للتوقيت الذى ستقوم فيه الساعة.
أياً كان الأمر، فإن كثيراً من البسطاء يؤمنون بالمعانى الظاهرة التى تحملها هذه الأحاديث، ويمنّون أنفسهم بظهور المهدى المنتظر الذى سيملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً. ولعلك تعلم أن مسألة البحث عن «مهدى» تعبّر عن فكرة قديمة، ترتد بجذورها إلى الفترة التى أعقبت وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم. وهى واحدة من جملة أفكار تبلورت حولها النظرية السلفية التى تبلورت أغلب خطوطها ومعالمها فى عصور الاستبداد التى مر بها المسلمون. فجوهر فكرة المهدى يتعلق بالبحث عن رجل عادل يماثل الصورة «الطوباوية» المثالية، التى رسمتها كتب التراث لذلك الجيل الذى عاصر النبى ونعم بصحبته. وهى صورة شعبية تتناقض فى الكثير من ملامحها مع الصورة التى يمكن أن يخلص إليها القارئ لكتب التراث.