بقلم: د. محمود خليل
منذ عدة سنوات، بدأت الكويت فى انتهاج سياسة وُصفت بـ«التكويت». ولعلك تعلم أن الحكومة الكويتية اعتمدت منذ عام 2017 نسباً محددة لإحلال الكويتيين محل الوافدين فى الكثير من الوظائف، لتكون نسبة الوافدين 30% مقابل 70٪ للمواطنين. تلك هى التركيبة الجديدة التى ستعتمد عليها الكويت. وقد نشر موقع «الشروق» أن الأطباء والهيئات التمريضية سيتم استثناؤها من هذا القرار، فى ظل تصاعد الحاجة إلى المتخصصين فى هذا المجال بعد الموجات المتلاحقة لفيروسات الإنفلونزا القاتلة.
ليست الكويت بدعاً بين دول الخليج فى تبنى هذا التوجه، فقد ظهر بقوة فى المملكة العربية السعودية عبر سياسة «السعودة»، وظهر فى سلطنة عمان من خلال سياسة «التعمين»، والحبل على الجرار داخل دول الخليج. الاتجاه إلى تضييق دائرة الاعتماد على الوافدين مرده حالة التراجع الاقتصادى التى شهدها الخليج، جراء انخفاض أسعار البترول، وتراجع المخزون المالى الاحتياطى بالعديد من الدول، بعد أن تم استهلاك نسبة منه فى صفقات أسلحة بهدف دعم قوة بعض دول الخليج على حماية نفسها أو ردع غيرها، خصوصاً بعد تمدد الذراعين الإيرانية والتركية بالمنطقة. المحصلة النهائية للمشكلات التى تسبب فيها الغير، أو أوجدتها الذات الخليجية بفعل القرارات والمغامرات غير المحسوبة، أو جاءت من عند الله وتشارك فيها البشر جميعاً، مثل فيروس كورونا، أدت إلى ضعف القدرة الاقتصادية للاقتصاد الخليجى «الريعى» الذى يرتكن على البترول كمصدر أساسى للدخل.
الإجراءات التى اتجهت إليها الكويت -وكذا باقى دول الخليج- سيكون لها تأثيراتها الداخلية والخارجية، يكفى على المستوى الداخلى أن نشير إلى أن إجلاء آلاف الوافدين خلق أزمة كبيرة على مستوى العقارات، بعد أن أفرغ السوق من المستأجرين من الوافدين من شتى الدول. وعلى المستوى الخارجى لا يختلف اثنان على أن العائدين من الخليج سوف يضيفون المزيد من الإنهاك إلى الاقتصاديات المحلية المنهكة بالأصل بفعل سياسات الإغلاق التى اضطرت إليها لمحاصرة انتشار فيروس كورونا.
مؤسسة صناعة القرار الاقتصادى فى مصر مطالبة بالتخطيط الجيد للتعامل مع مشكلة المصريين العائدين من الخليج، وعليها أن تفكر فى كيفية استيعاب من يمكن استيعابه فى دوائر العمل، ومطلوب منها أيضاً التفكير فى تأثير هذه العودة على مصادر الاقتصاد من العملة الأجنبية، وتدبير الأمر على هذا المستوى. وثمة واجبات معينة على مؤسسات التعليم فى بلادنا تفرض عليهم ضرورة الاهتمام بإنتاج المزيد من الخريجين فى التخصصات التى لا تستطيع دول الخليج أو غيرها الاستغناء عنها، مثل خريجى كليات الطب بتخصصاتها المختلفة، وكذلك خريجو التمريض، ومن المهم أيضاً الاهتمام بالخريجين القادرين على الانخراط فى آليات اقتصاد المعرفة، بعد أن أصبحت تداعيات كورونا تدفع العالم دفعاً إليه. أما المصريون العائدون من الخليج فعليهم أن يتخلوا عن فكرة الوظيفة «الميرى» التى لم تعد تتمتع بالقيمة أو الوجاهة التى تمتعت بها فيما سبق، وأن يتجهوا إلى الاستثمار فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مساهمة منهم فى حل مشكلة تواجههم بشكل شخصى، كما تواجه آخرين غيرهم. كل طرف من أطراف هذه المشكلة عليه دور سيكون من المفيد القيام به حتى نتمكن من مواجهتها بشكل إيجابى.