بقلم: د. محمود خليل
«وفاة ماما سناء» -السيدة الستينية- كان أبرز حدث انفعل به رواد السوشيال ميديا خلال الأيام الماضية. وهى سيدة مصرية بسيطة، حملت عبء تربية أولادها، عقب وفاة زوجها. وبعد زواج الأولاد واستقرار الأحوال دأبت مع أفراد أسرتها على تسجيل فيديوهات تبثها عبر قناة تليفزيونية خاصة بها على موقع يوتيوب. الفيديوهات كانت تلقى رواجاً واسعاً بين رواد السوشيال ميديا وتحظى بملايين المشاهدات. وهى فى الإجمال تشتبك مع مواقف الحياة اليومية التى تمر بها أى أسرة، بعضها يتعلق بعلاقة الأم بأبنائها، والبعض يتصل بمناكفات «الحماة» لزوجات أولادها، وغير ذلك من مواقف إنسانية طبيعية عادية يجد أفراد الأسرة المصرية العادية أنفسهم فيها.
أفكار كلها بسيطة، ومن قلب البساطة ينبع التأثير. ذلك ما كانت تمتاز به فيديوهات «ماما سناء»، شأنها فى ذلك شأن العديد من اليوتيوبرز ممن راجت أسماؤهم على المستويين المصرى والعربى. وقد اصطلح على وصف اليوتيوبرز -أصحاب القنوات التليفزيونية على يوتيوب- بـ«المؤثرين الجدد»، بمعنى الأشخاص القادرين على التأثير فى أفكار وقيم وسلوكيات وحتى لغة الجمهور من أقصر الطرق الممكنة. زمان كنا نتحدث عمن يطلق عليهم «قادة الرأى» داخل المجتمعات المختلفة كأكثر فئة قادرة على التأثير فى الجماهير، مثل الوعاظ والمتعلمين والمثقفين وغيرهم. وليس ثم من خلاف على أن تأثير هؤلاء كان يرتبط بقدرتهم على اختيار الموضوعات التى تهم الناس، والحديث إليهم بلغة يفهمونها، وفى قوالب قادرة على التأثير فيهم. زمن «قادة الرأى» التقليديين ولى، وأصبحت الساحة خالية للمؤثرين الجدد، الذين نجح بعضهم فى حصد أرباح مالية كبيرة عبر الإعلانات التى تترافق مع الفيديوهات التى يطرحونها على مواقع التواصل الاجتماعى.
فى تقديرى الشخصى أن جوهر نجاح اليوتيوبر «ماما سناء» وغيرها من المؤثرين على السوشيال ميديا، يرتبط بنقل دراما الحياة اليومية إلى الشاشة. فهذا النوع من الحكى الطبيعى -البعيد عن التصنع- لمواقف مشابهة لما يحدث بين أفراد كل أسرة وداخل كل بيت يجذب الجمهور بصورة كبيرة. فيديوهات السيدة الراحلة -رحمها الله تعالى- لم تزد على نقل الواقع إلى عالم المشاهدة، لتسد ثغرة احتياج معرفى أساسية يتوق الكثير من المصريين إلى سدها، وهى ثغرة «دراما الحياة الطبيعية للمصريين». ارتفاع معدلات مشاهدة فيديوهات «ماما سناء» وما يشابهها أساسه أن الجمهور يرى نفسه فى هذه المواقف، فى وقت يشعر فيه أن الدراما بمحتواها الحالى تعيش حالة «اغتراب» عن واقعه.
الشباب المعاصر يُقبل بنهم على مشاهدة العديد من المسلسلات الأجنبية، يكفى أن نستشهد فى هذا السياق بمعدلات مشاهدة المسلسل الإسبانى «لاكاسا دى بابل»، لكنه يريد عندما يشاهد محتوى درامياً محلياً أن يستمتع بمحتوى مصرى حقيقى وطبيعى يعكس حياته ويعالج مشكلاتها وهمومها. ذلك هو الوتر الذى لمسته ببساطة وتلقائية فيديوهات «ماما سناء» فاستطاعت أن تجذب أجيالاً مختلفة من رواد السوشيال ميديا إلى المحتوى الذى تقدمه. وربما فسر لك ذلك حالة الحزن التى انتابتهم بعد رحيلها، حين أحسوا بفقد إنسان أصيل فى حياتهم.. رحمها الله تعالى.