بقلم: د. محمود خليل
«الأسرة البديلة» حالة أفلحت جماعة الإخوان فى خلقها داخل المجتمع المصرى، حين جعلت من «الأسرة الإخوانية» بديلاً للأسرة البيولوجية. تعلم أن الجماعة تهوى التحرك داخل البيئات الاجتماعية المخلخلة لتستقطب أتباعها. شباب كثر يعانون من مشكلات أسرية متنوعة، هناك من يخنقه سوء التربية، ومن يخنقه ضيق المكان الذى يعيش فيه، ومن تخنقه الظروف الاقتصادية الصعبة. بين هؤلاء وغيرهم تجد جماعة الإخوان صيدها، وتستطيع أن تحقق غاياتها فى تدجين الشباب داخل المجموعات الإخوانية التى تصبح بمرور الوقت أسرة بديلة يشد أعضاءها رباط وثيق يفصلهم عن أسرهم التقليدية. وعادة ما يجد العضو داخل الأسرة الإخوانية البديلة قدراً كبيراً من الدفء المفتقد فى الأسرة البيولوجية، حين يعيش الأنس بين أترابه، ويجد كباراً يسمعون مشاكله، ويحاولون تفهمها، ويساعدونه فى حلها. ولا يفعل كبار الجماعة ذلك عطفاً أو إدراكاً لمشاكل يعانى منها الشباب داخل الأسر التقليدية، فالمسألة لا تعدو الاستثمار المنظم للظروف الصعبة التى يعيشها بعض الأفراد، لكى يتم فصلهم شيئاً فشيئاً عن الأسر التقليدية، والتى مهما قست عليه بسبب قسوة ما تعانيه من ظروف، ومهما حاول الفرد الهروب من زخم ما تورثه له من مشكلات، فإن ذلك لا يمكن أن يمحو بحال رابطة الانتماء المؤسس على الدم الذى يربطه بها، وذلك ما تبغى الجماعة تذويبه من خلال جعل الأسرة البديلة أساس الانتماء، وهى تُنظّر لهذا الأمر تحت عنوان «المفاصلة».
يرى الإخوانى «منير الغضبان» -صاحب كتاب المنهج الحركى للسيرة النبوية- أن الإسلام مر بمرحلتين: المرحلة المكية التى تواصلت لثلاثة عشر عاماً، وهى مرحلة تربية الكوادر على أصول وقيم وقواعد التصور العقائدى للإسلام، والمرحلة المدنية التى امتد عمرها إلى عشر سنوات، وهى مرحلة بناء الدولة. وفى سبيل تعميق مسألة «المفاصلة» داخل نفوس المنضمين لجماعة الإخوان يسعى كبارها إلى تكريس عدد من الأفكار، مثل: الحرب خدعة، والكذب على العدو جائز، والاغتيال السياسى يجوز فى بعض الأحوال كما فعل النبى (صلى الله عليه وسلم) مع «كعب بن الأشرف»، وأن المسلم يصح أن يتحامى فى كافر، كما فعل النبى (صلى الله عليه وسلم) عندما رفض المشركون دخوله مكة، بعد رحلته الحزينة إلى الطائف وصد الناس له، فدخل فى جوار مشرك، وقس على ذلك الكثير من الأفكار الأخرى التى تخلق لدى العضو رؤية تنظيمية واضحة المعالم.
وقمة الاختبار فى موضوع «المفاصلة» أن يجعل العضو أسرته الإخوانية «البديلة» أسرته الحقيقية، وأن يقطع خط التواصل مع أسرته البيولوجية. وأكثر ما يساعد الإخوان على النجاح فى ذلك حالة التزاحم التى تعانى منها الأسر فى البيوت والتى تخلق بيئة يمكن وصفها بـ«البيئة الطاردة»، فيبدأ الأبناء فى الانفلات إلى أى مكان آخر أرحب، وإلى كيانات قادرة على الاحتواء، وللأسف ترحب بعض «الأسرة الأصيلة» بهجرة الأبناء إلى «الأسرة البديلة»، لما لذلك من دور فى تخفيف حمولة السفينة التى تنوء بمن يعتلى سطحها. وبمرور الوقت تصبح الأسرة البيولوجية مجرد وهم وتكوين هلامى لا يشكل بالنسبة لعضو الإخوان شيئاً، وينسج «عنكبوت» الأسرة «البديلة» خيوطه حوله. وفى اللحظة التى يستسهل فيها الفرد تقطيع وشائج صلته بالأسرة التى يرتبط بها بصلة الدم، فإن زهده فى فكرة الانتماء للأرض التى أنجبته يزداد، فكما تحل الأسرة الإخوانية البديلة محل الأسرة البيولوجية، تحل «الجماعة» محل «الوطن».