بقلم: د. محمود خليل
ما إن أفرغ يده من الحرب حتى اتجه إلى إحداث تحولات جذرية فى النظام الاقتصادى الموروث عن العصر الناصرى. عن الرئيس السادات أتحدث. فى عام 1974 صدر القانون رقم (43) الذى فتح الباب واسعاً أمام الاستثمار العربى والأجنبى فى المجالات المختلفة. وبعيداً عما هو معلوم بالضرورة من نتائج ترتبت على التوجه الجديد، نريد أن نتوقف أمام ظاهرتين من الظواهر التى ضربت الأدهمية المصرية نتيجة الانفتاح. تتمثل الأولى فى ظهور المال الخليجى على مسرح المحروسة، وتتعلق الثانية بظهور فكرة المنطقة الحرة وتوابعها على حياة «الأداهم». دعنا نناقش الظاهرة الأولى الآن.
تعلم بالقرار الذى اتخذه الملك فيصل وعدد من الزعماء العرب بمنع البترول عن الدول المساندة لإسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973، وقد ترتب على ذلك ارتفاع سعر برميل النفط من أقل من 2 دولار إلى 10 دولارات، أى بنسبة زيادة تبلغ 500%، وقد تضاعف السعر من 10 إلى 20 دولاراً مع اندلاع الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979. ولك أن تتخيل حجم الأموال التى تراكمت فى يد الخلايجة بعد الطفرة الكبيرة فى السعر. وعندما فتح «السادات» الباب على مصراعيه بدءاً من عام 1974 أمام رأس المال العربى للاستثمار والسياحة وخلافه ضربت حياة «الأداهم» مجموعة من الرذائل الخطيرة.
أولى هذه الرذائل تمثلت فى النظر إلى الخلايجة والخليج كنموذج جدير بالاحتذاء!. فكر بعض الأداهم وقدروا أن التدين الشكلى أو المظهرى هو السر وراء الخير الذى تفجرت به الأرض، وخصوصاً الأرض التى تحتضن الأماكن المقدسة بالمملكة العربية السعودية، فظنوا أنهم لو سلكوا نفس المسار وحرصوا على الصلاة فى أوقاتها وأطلقوا اللحى وارتدوا الجلباب وضربت نساؤهم العباءات فسوف تنفجر الأرض من تحتهم ينبوعاً وتمطر السماء خيرات الدنيا فوق رؤوسهم، فنسوا مقولتهم الخالدة التى تذهب إلى أن «العمل عبادة» وأمسوا يمارسون الإسلام على الطريقة الخليجية. الرذيلة الثانية تتعلق بحالة الشبق التى اعترت المصريين بإصابة حظ أو نصيب من المال الخليجى، سواء من خلال السفر والعمل فى دول الخليج، وهو توجه ضرب كل أرباب المهن والحرف فى مصر، كبيرها وصغيرها. ومن لم يحالفه التوفيق بالسفر أخذ يفكر فى استثمار وجود العرب فى مصر للعمل لديهم أو الاتصال بهم بأى طريقة من الطرق للحصول على رزق أو نصيب من مالهم.
وللأسف الشديد كثيراً ما كانت الظروف المعيشية القاسية تدفع المصريين إلى التخلى عن كرامتهم أو العبور على قيم راسخة لديهم. وبإمكانك أن تشاهد فيلم «لحم رخيص» الذى يقدم نماذج مختلفة لإهدار الكرامة أمام المال الخليجى. وبإمكانك أيضاً أن تتأمل شخصية «زكية محمدين» فى رواية نجيب محفوظ «الباقى من الزمن ساعة» لتلاحظ تأثير الظروف المعيشية القاسية التى ضربت قطاعاً لا بأس به من «الأداهم» على منظومتهم القيمية، وكيف داست على الحب بأقدامها من أجل حفنة دولارات، ولم تمانع بعد ذلك فى أن يكون لحبيبها نصيب معلوم فيها!.