توقيت القاهرة المحلي 10:43:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عجائب «أدهم المصرى»

  مصر اليوم -

عجائب «أدهم المصرى»

بقلم: د. محمود خليل

أول صدام بين عقل ورؤية محمد على والعقل الجمعى للمصريين حدث حين اتجه الوالى إلى تنظيم الفوضى التى كانت ترتع فيها البلاد، فنشأت نفس الأزمة التى عاشها «أدهم المصرى» مع الفرنسيين، حين حاولوا «إدخال النظام على حياة فوضوية». اجتهد الوالى فى تنظيم سجلات تحصيل الأموال حتى يتحسن دخل الدولة، وبالتالى يتمكن من تمويل مشروعه فى بناء مصر الحديثة. وكان مما لفت نظره فى ذلك الوقت «أراضى الأرزاق»، التى كان ينفق منها على أعمال البر والخير والأسبلة وأهل المساجد والمكاتب وغيرهم، ومقابل العمل الخيرى الذى تؤديه كانت الضرائب المفروضة عليها قليلة جداً. وقد وجد محمد على أن هذه الأراضى توسعت وتمددت بشكل أدى إلى ضعف إيرادات الخزانة العامة، بسبب تقلص حجم ما تدفعه من ضرائب، والأدهى أن الوالى اكتشف أن عائد هذه الأراضى والأحباس لا يوجَّه إلى أعمال الخير، بل إلى جيوب مَن يضعون أيديهم عليها. تدخَّل محمد على لتنظيم مدخولات هذه الأراضى لتصب فى خزينة الدولة، وهو أمر أزعج الكثير من المنتفعين، وتجد تعابير مختلفة فى كتب «الجبرتى» فى كتاب: «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» عن هذا الانزعاج، رغم اعترافه -أى «الجبرتى» - بالفساد الذى عمَّ وغلب على أسلوب إدارة القائمين على هذه الأراضى لها.

كانت تلك هى حال مَن يضعون أيديهم على الأراضى التى يفترض أن توجَّه عوائدها إلى أعمال الخير والبر. أما أحوال الملتزمين فحدِّث ولا حرج، فقد بالغ الجُباة والعُمد ومشايخ القرى الذين يتولون جمع الأموال من الفلاحين لحسابهم فى إذلال الفلاحين وإرهاقهم. وقد ألغى محمد على -كما تعلم- نظام الالتزام، والمفاجئ أن هذا القرار أدى إلى غضب الفلاحين، ويبدو أنهم كانوا قد وصلوا إلى حالة غير مسبوقة من التماهى مع استبداد الملتزمين. انظر إلى ما يحكيه «الجبرتى» فى هذا السياق: «كان الفلاحون إذا التزم بهم ذو رحمة ازدروه فى أعينهم واستهانوا به وبخدمه، وماطلوه فى الخراج، وسمَّوه بأسماء النساء، وتمنوا زوال التزامه بهم وولاية غيره من الجبارين الذين لا يخافون ربهم ولا يرحمونهم، لينالوا بذلك أغراضهم بوصول الأذى لبعضهم. وكذلك أشياخهم إذا لم يكن الملتزم ظالماً لا يتمكنون هم أيضاً من ظلم فلاحيهم، لأنهم لم يحصل لهم رواج إلا بطلب الملتزم الزيادة والمغارم، فيأخذون لأنفسهم فى ضمنها ما أحبوا».

ما يحكيه «الجبرتى» يدلل على الحالة النفسية التى كان عليها «أدهم المصرى» بداية القرن التاسع عشر، فقد كان على استعداد لقبول الظلم الذى يحقق الفوضى من استيعاب النظام الذى يحرمه من فعل ما يريد بغض النظر عن سلبيته أو إيجابيته. وقد كان الملتزمون أداة جيدة لتغذية هذا الإحساس لدى الفلاحين، فيكفى جداً أن يذهب أحدهم إلى الملتزم ويدس فى يده 100 ريال ويشكو إليه جاره، فيُحضره الأول وينكل به أشد التنكيل. المسألة لم تكن مجرد تماهٍ مع الملتزم المتسلط، بل كانت حياة أصبح «المصرى» يؤثرها. فلا توجد مقدمة أصلح للفوضى من ملتزم مستبد فلسفته فى الحياة الجور على الحقوق وهز ميزان العدل داخل المجتمع، لتتناغم الأغلبية معه بعد ذلك وتمارس سلوكها ولو على مستويات خاصة ضيقة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عجائب «أدهم المصرى» عجائب «أدهم المصرى»



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:52 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية
  مصر اليوم - ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon