بقلم: د. محمود خليل
التحذير من فيروس كورونا والتوعية بالإجراءات الاحترازية التى يجب أن يلتزم بها الفرد والجماعة فى مواجهتها واجبان أساسيان من واجبات الإعلام وقادة الرأى والمؤثرين داخل المجتمعات المختلفة، لكن تحول الآلة الإعلامية العالمية -وهى تؤدى هاتين المهمتين- إلى «بيت صدمة ورعب» أمر غير مفهوم. حالة الرعب تؤدى بالفرد إلى سلوكيات لو مرت بخياله وهو يعيش حياته المعتادة لأنكر أنه سيأتيها تحت أى ظرف. وحالة الصدمة تُفقد صاحبها القدرة على التركيز فى أفعاله أو أقواله وكسر نفسيته بصورة قد تدفعه إلى قبول ما لم يخطر بخياله فى لحظة أن بإمكانه قبوله.
دعنى ألخص لك حكاية نشرها موقع «مصراوى» لسيدة سكندرية تم عزلها بمستشفى النجيلة بعد إصابتها بفيروس كورونا. تقول التفاصيل إن السيدة تم نقلها إلى المستشفى بعد إصابتها بفيروس كورونا دون ظهور أية أعراض عليها، وكانت رغم سنها (فوق الستين سنة) تبدو بصحة جيدة ولا تعانى من أمراض مزمنة باستثناء مرض السكرى. مكثت السيدة فى المستشفى يومين وفى اليوم الثانى لوصولها، أجرت مكالمة تليفونية مع أقارب لها، وارتفع صوتها معهم لدرجة الخناقة، ثم بعدها بدقائق باغتتها سكتة قلبية، حاول الطاقم الطبى بالمستشفى إنقاذها وتم وضعها على جهاز التنفس الصناعى، لكن شاء الله أن تموت بالسكتة القلبية وليس كورونا. بعد وفاتها أعلن المستشفى أن أهل المتوفاة -رحمها الله- رفضوا تسلم جثتها، لكن نجلها استدرك فى خبر لاحق أنه تسلم جثة والدته، ولم يجد من يحملها معه إلى مثواها الأخير، فما كان من بعض رجال الشرطة والمسعف الذى نقلها إلا أن حملوها معه.
القصة موجعة، وهى تشهد على أفاعيل فيروس «الصدمة والرعب» بالبشر. فالسيدة المصابة بكورونا لم تمت به، بل ماتت بفيروس وجع الأهل لقلبها، حين نظروا إليها كمصدر عدوى وليس كإنسانة قدر الله لها أن تصاب بالفيروس، وأن الجميع عرضة لذلك. توقف قلبها وماتت رحمها الله، وهى تكاد لا تصدق ما يحدث لها، وربما لم يستوعب عقلها البسيط ما تفعله الصدمة والرعب بالبشر. لم تتصور أن يعاملها أهلها وأقاربها وبشر هم بضع منها على هذا النحو. ومن المؤكد أنك لو أخبرت أياً من أقاربها أنهم سيفعلون ذلك مع السيدة الراحلة فلم يكن لأحد منهم أن يصدق. بل من الوارد أن يرد على من يقول له ذلك رداً قاسياً.
الصدمة التى حدثت لكثيرين نتيجة هذا البلاء وحالة الرعب التى زرعتها المعالجة غير المتوازنة أجهزة الإعلام العالمى أدت إلى إرباك قدرة البعض على التفكير، بل وتسببت فى شل قدرتهم كاملة على هذا المستوى، فأصبح أداؤهم يتحرك بأشباح الخوف، وبلخبطة «المخبوط على رأسه» بآلة حادة أفقدته القدرة على التوازن، وكلما حاول أن يزن نفسه، باغته الإعلام بضربة فوق أم رأسه من جديد. دعنى أستدل على ملمح واحد لنهج الإعلام فى الإرعاب والمتعلق بطرق انتقال العدوى. قيل فى البداية إن العدوى بالاختلاط القائم على اللمس، فاعتزَل الناس، ثم قيل لهم إن الفيروس يستقر على الأرض وينتقل بالأحذية والشباشب فخلعوها على أبواب البيوت وعقموا أرجلهم، لكنهم بوغتوا بأخبار عن أنه ينتقل عبر أسطح النقود، فارتعبوا ولجأوا إلى تعقيم أيديهم بعد تداولها، لم تسكت بعض المنابر الإعلامية وأخذت تردد أن ثمة دراسات تقول إن الفيروس ينتقل عبر الهواء. كل هذا الكلام متضارب ولا توجد دراسات حاسمة حوله، لكن الإعلام لا يتوقف عن الإرعاب به، وسد كل منافذ الاطمئنان على البشر بصورة قد تثير الريبة أحياناً.