بقلم: د. محمود خليل
التستر جريمة.. والاعتراف بالحق فضيلة.. يحدث أن تظهر حالات إصابة بكورونا داخل بعض المؤسسات أو أماكن العمل، فتجد المسئول عنها يتعامل بواحدة من طريقتين: الأولى أن يعلن بشفافية كاملة ظهور الأعراض على أحد العاملين بالمؤسسة، انطلاقاً من حقيقة أن المرض ليس عيباً، وأن الابتلاء من الله تعالى، وليس من المسئول عن المؤسسة، ثم يشرع بعد ذلك فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لعزل المخالطين وتعقيم المكان حفاظاً على أرواح البشر الذين يعملون به، وحماية للمجتمع من انتشار أكبر للفيروس. أما الطريقة الثانية فينظر فيها المسئول إلى المرض وكأنه عار لحق بأحد موظفيه وأن هذا العار سيدمغ المكان كله، فيتستر على الحالة ويكتفى بمنحها إجازة عزل، ثم يواصل العمل، دون أن يبحث عن المخالطين، ومن غير أن يتخذ الإجراءات اللازمة لحماية باقى العاملين فى المؤسسة.
ثمة أساليب قائمة فى إدارة المؤسسات اعتدنا عليها منذ سنين طويلة ترتكز فيها الإدارة على فكرة «التعتيم على المشكلات» وعدم الإفصاح عنها، حيث ترى أن ذلك هو المسار الأكثر ضماناً لتحقيق الاستقرار. وإذا اكتشفت المشكلة تجد المسئول يعمد إلى التهوين أو المراوغة وأحياناً التضليل. هذا الأسلوب فى الإدارة لا يصلح للعصر الجديد الذى نحياه، عصر تفشى المعلومات بنفس درجة تفشى الأوبئة والأمراض. هذا الأسلوب النعامى القائم على دفن الحقائق -ومعها الرأس- فى الرمل يؤدى إلى تحويل المشكلة العادية الصغيرة التى يمكن مواجهتها بسهولة إلى مشكلة كبيرة، ويخرج صاحبها من دائرة الخسائر القليلة الأقرب إلى دائرة الخسائر الكثيرة الأبعد.
فى ملحمة الحرافيش للراحل نجيب محفوظ تجد عبارة جاءت على لسان أحد أبطال القصة العاشرة، قال فيها لأمه «حارتنا لا تنام على سر». كل شىء فى الحارة معروف. ونحن نعيش عصراً أصبحت المعلومات فيه ملقاة على قارعة الطريق. وأسهل شىء فى زماننا هو المعرفة. لقد حاولت بعض الدول التكتم على الفيروس مطلع ظهوره، كما حدث فى الصين، وواجه بعض المسئولين داخل الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية شعوبهم بمعلومات غير مدروسة تهون من شأن الفيروس أو تدعو الشعوب إلى الاعتماد على نظرية مناعة القطيع، واعتبروها حلاً للمشكلة، وفيما بعد اكتشف الكثيرون عدم دقة المعلومات التى جاءت على ألسنة المسئولين، وكان المنظر سيئاً فى دول تعودت شعوبها أن يتعامل المسئولون معها بأعلى درجات الصدق والشفافية.
نحن نعذر كل مسئول عن إدارة أية مؤسسة مهما صغر حجمها فى الظروف والأجواء الحالية، ونعلم كم العبء الملقى على كاهله، لكن عليه أن يستوعب حقيقة أن المشكلات فى العصر الحالى بالغة التعقيد، وأن ما كان يصلح للماضى من أساليب فى الإدارة لم يعد له جدوى فى الحاضر. وليس من العقل أو المنطق أن يؤدى الشخص بأسلوب قديم فى زمن جديد. فهم المعادلة الزمنية يعد مقدمة أساسية للنجاح فى إدارة الأزمات وحل المشكلات. الحقيقة الوحيدة القديمة المتجددة التى تصلح لزماننا كما صلحت لأزمنة سابقة هى الحكمة التى تقول «معظم النار من مستصغر الشرر».