بقلم: د. محمود خليل
منذ سنين طويلة دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على خلق شيطان، يتم توظيفه فى اللعب على أعصاب الرأى العام الأمريكى. كذلك فكر الدول التى تريد السيطرة على العالم فلا بد أن تقدم لشعوبها الذريعة التى تبرر سعيها وراء السيطرة على الغير ودفع الثمن المطلوب لذلك. تجسد الشيطان خلال الحرب العالمية الثانية من وجهة نظر الأمريكى فى «هتلر» الذى يريد السيطرة على العالم، وبعد الحرب تمثل الشيطان فى صورة جديدة احتوت فى كادرها الاتحاد السوفيتى. وقد ظلت الولايات المتحدة تصارع السوفيت بطرق مختلفة كان أخطرها وأشدها أثراً «سباق التسلح» الذى تسبب فى استنزاف القدرات الاقتصادية للاتحاد السوفيتى ثم تعثره وتفككه. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتى وجدت الولايات المتحدة شيطاناً جديداً يتمثل فى الإرهاب وقدمت له مجموعة من الأيقونات المتمثلة فى بن لادن والقاعدة، وامتد بعد ذلك إلى جميع التنظيمات الإرهابية التى ظهرت فى العالم الشرق الأوسطى على وجه الخصوص.
الأحداث تقول إن الولايات المتحدة تتحرك بفكر استراتيجى يمكنها من تحقيق أهدافها فى العديد من المواقف. وقد أدى ذلك إلى تكوين صورة مقابلة لها لدى شعوب العالم تضعها فى خانة «الدولة القادرة على كل شىء». فغالبية لا بأس بها من أبناء الشعوب داخل بعض دول العالم ترى أن كل ما يحدث فوق سطح الأرض وتحتها وراءه الولايات المتحدة الأمريكية. فهى من وجهة نظر البعض قادرة على اللعب فى جيولوجية الأرض لتصنع الزلازل، وتحريك موج البحر ليتحول إلى تسونامى، وتحريك السحب لتهطل الأمطار، بل لقد بلغ السفه بالبعض حد إلصاق مسئولية ظهور بعض الأمراض بألعاب الولايات المتحدة الأمريكية، وتداولت مواقع التواصل كلاماً عجيباً عن أن أمريكا التى تصنع المرض وتتخذ منه أداة من أدوات الصراع هى وحدها القادرة على إيجاد علاج له. انطلاقاً من المثل الذى يقول إن من عقد العقدة هو القادر على حلها.
هذا النمط من التفكير يفتقر إلى الموضوعية، ويغفل أسباباً متعلقة بأداء الشعوب والحكومات التى تديرها. فأية قوة مهما بلغت قدرتها لا تستطيع أن تنال من طرف من الأطراف إلا إذا كان لديه الاستعداد والظروف التى تؤهل للنيل منه. وإذا كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد استراحت لفكرة خلق عدو ذى صفة شيطانية كأداة من أدوات إقناع الشعب الأمريكى بسياساتها، فإنها أكثر راحة لصورة الدولة القادرة التى أفلحت فى غرسها لدى مجموعات متباينة من شعوب العالم. فهى تساهم فى تمهيد الأرض لإنجاز أهدافها وتحقيق مطامعها فى كل المواقع.
الولايات المتحدة دولة تمتلك الكثير من معطيات القوة، هذه مسألة لا مراء فيها، لكن الجوهر الحقيقى لقوتها يكمن فى «الفكر والإدارة». هذا هو ما يفرق الولايات المتحدة كدولة قوية عن دول أخرى تمتلك الكثير من أدوات القوة مثل روسيا والصين وغيرهما، لكنها أقل من الأمريكان على مستوى الفكر والإدارة. أما شعوب العالم الثالث التى ترى فى أمريكا صورة «الدولة القادرة» فمأساتها أنها لا تملك إلا الضعف، أما على مستوى «الفكر والإدارة» فحكايتها حكاية.