بقلم: د. محمود خليل
فى الوقت الذى كانت احتجاجات الأمريكيين تتواصل فى الشوارع ضد أداء أجهزة الشرطة، بعد مقتل المواطن جورج فلويد، وقعت حادثة شبيهة بولاية أتلانتا لقى فيها مواطن صاحب بشرة سمراء حتفه بعد أن أطلق عليه رجل شرطة الرصاص. اندلعت موجة جديدة من التظاهرات عقب هذه الحادثة، وتعالت الأصوات من جديد للمطالبة بإصلاح جهاز الشرطة وتقليم أظافره بالتشريعات المقيدة، وتقليل مخصصاته المالية. ويبدو أن الظروف والأحداث تتراكم فى اتجاه تحول نوعى على مستوى هذا الملف فى الولايات المتحدة الأمريكية.
نقاشات وجدل يدار حالياً فى الولايات المتحدة حول فترة التأهيل التى يقضيها الملتحق بأجهزة الشرطة بالأكاديميات المسئولة عن إعداده وتدريبه. البعض يردد أن العامل فى هذا الجهاز يقضى أشهراً فى التأهيل والتدريب، ويسلم بعدها أداة قتل. وثمة مقارنات بين المدة الزمنية التى يقضيها طالب الشرطة فى الولايات المتحدة وغيرها من الدول مثل النرويج وبعض الدول الأوروبية الأخرى، ومردود ذلك على عدد من يسقطون سنوياً قتلى على يد رجال شرطة خلال القبض عليهم.
ليس هناك خلاف على أن الإعداد والتدريب الجيد الذى يستغرق فترة زمنية كافية يؤدى إلى إنتاج كوادر شرطية أكثر احترافية، وأقدر على التعامل مع المواقف المختلفة. ومؤكد أيضاً أن هناك كوادر على هذا المستوى داخل جهاز الشرطة الأمريكى، وداخل غيره من أجهزة الشرطة فى العالم، لكن تبقى المشكلة فى العناصر التى تتعامل مع الناس فى الشارع، والتى يجب أن تنال تدريباً خاصاً، وألا تؤدى بالصورة التى شاهدناها فى فيديو مقتل «بروكس» ضحية «شرطى أتلانتا»، فقد بدا اثنان من أفراد الشرطة عاجزَين عن السيطرة الاحترافية على الضحية، ما اضطر أحدهما إلى إطلاق النار عليه ليرديه قتيلاً. قوانين الشرطة الأمريكية تتيح لرجل الشرطة أن يفعل ذلك فى حالة المقاومة، لكن أظن أن هدف التعامل هنا ليس القتل، بل السيطرة على الشخص ليمثل أمام محاكمة عادلة.
أهل السياسة فى الولايات المتحدة الأمريكية يتسابقون حالياً لتقديم مشروعات لإصلاح قوانين الشرطة هناك. الديمقراطيون يستهدفون بهذه الخطوة استقطاب الشارع المحتج حتى يمنح مرشحهم الأصوات فى الانتخابات الرئاسية القادمة، والجمهوريون يريدون تفويت الفرصة عليهم من خلال تقديم طرح إصلاحى شبيه. فهل يمكن أن يؤدى ذلك إلى تهدئة المحتجين الغاضبين؟. مشكلة المشكلات أن يتحول موضوع إصلاحى مهم يتعلق بمصير أمة أو مجتمع إلى أداة للمتاجرة فى ساحة المنافسة أو المكايدة السياسية. القضايا المحورية الكبرى التى يتحدد فى ضوئها خطوط الحاضر وملامح المستقبل يجب أن تخرج عن دائرة المزايدة أو المكايدة، إذا كان الساسة يريدون إصلاحاً فعلياً. نسيان الخلافات فى مثل هذه الأحوال هو المسار الأفضل للإصلاح.
جانب من صورة الولايات المتحدة الأمريكية فى المستقبل سيتحدد تبعاً لأسلوب تعاطى الجمهوريين والديمقراطيين مع ملف جهاز الشرطة خلال الأزمة الحالية، فإذا غلب عليه التوحد على فكرة الإصلاح فسوف ينجح الأمريكان فى عبور المأزق، أما إذا سيطرت فكرة المنافسة والمكايدة فسوف تتواصل الأزمة الخطيرة دون أن يتمكن أحد من التنبؤ بتأثيراتها المستقبلية، خصوصاً أنها تتعلق بمسألة العنصرية التى تعد أكبر شوكة فى حلق أمريكا.