بقلم: د. محمود خليل
حزنت للغاية عندما قرأت خبر وفاة المبدع الكبير «لينين الرملى». لم يحالفنى الحظ للقاء الرجل خلال رحلة حياته العامرة، لكن شأنى شأن غيرى من المصريين الذين شدتهم أعماله كنت دائماً ما أشعر أن ثمة خيطاً رابطاً بينى وبينه. وكذلك الكاتب الصادق يعرف كيف يلتقى بمن يتلقى إبداعه فى الفكرة والإحساس. الصدق يؤدى إلى إنشاء نوع من الصداقة الإنسانية المعنوية بين الكاتب والمتلقى. التقيت بالعديد من أعمال لينين الرملى -شأنى شأن أبناء جيلى- وأغرمت بمسرحياته: «انت حر، وتخاريف، والهمجى» وكذلك أفلامه «الإرهابى وبخيت وعديلة» وغيرها.
تمتع «لينين» بقدرة خاصة على طرح الأسئلة المثيرة للعقل والمحرضة على التفكير من خلال أعماله الفنية. فى مسرحية «انت حر» وهى من أوائل أعماله المشتركة مع الفنان محمد صبحى يطرح فكرة «الحرية» ويتساءل هل هى بالفعل فكرة موجودة وحاضرة فى حياة الإنسان خلال مراحل عمره المختلفة أم مجرد حلية لفظية يلوكها البعض فى وجه البعض دون إحساس حقيقى بوجودها؟. عبارة «أنت حر» تحمل فى ثقافتنا دلالة تحمل معنى التهديد أكثر مما تشير إلى ممارسة الحق فى الاختيار. فما أكثر ما يقولها الأب لابنه أو الزوج لزوجته والصديق لصديقه على سبيل التهديد ليس أكثر. تطرح المسرحية إشكالية بحث الإنسان عن الحرية منذ أن يولد إلى أن يلقى وجه ربه عبر تتبع رحلة «عبد المأمور» الذى ظل يبحث عن حريته وحقه فى الاختيار إلى أن أمسى «رجل اختيار». ورجل اختيار هى العبارة التى يصف بها المصريون الشخص الطاعن فى السن الذى يوشك على لقاء ربه.
الحس الإنسانى عند لينين الرملى كان متفوقاً على ما عداه. يقول البعض إن أعمال المبدع الراحل كانت تحتشد بالإسقاطات السياسية، والأدق -فى تقديرى- أن يقال إن أعماله تحتشد بالإسقاطات الإنسانية شديدة العمق. ومن أراد أن يتعرف على الكيفية التى صاغ بها «لينين» الكوميديا فى قالب إنسانى رفيع المستوى، فعليه أن يشاهد أحد أفلامه التى لم تنَل حظها من الشهرة رغم عمق المعانى التى تحتشد بها، وهو فيلم «الرجل الذى عطس». ويحكى قصة موظف بسيط أخبره الأطباء أنه مصاب بمرض سيؤدى إلى وفاته بعد بضعة أشهر، وكيف واجه هذا الموقف. أفكار ومعانٍ كثيرة لا يتسع المقام للغوص فيها فى هذه المساحة المحدودة يمكن أن نعرض لها ونحن نراجع أعمال المبدع الراحل. وهى أفكار ومعانٍ أثرت فى جيل بأكمله كانت أعمال «لينين» الرملى رافداً أساسياً من روافد تكوين فكره ووجدانه.
عاش «لينين» سنواته الأخيرة عازفاً عن الأضواء. لم يظهر إلا فى عدد محدود للغاية من الحوارات الصحفية بالأساس، والتليفزيونية فى أحوال قليلة. وظنى أن عزوفه عن الظهور كان مرده أسباباً تتعلق بالمناخ الفنى العام فى مصر بما أصابه من تشوهات، بالإضافة إلى أن مساحات التأمل فى حياة المبدع تدفعه فى أحوال إلى إيثار العزلة. رحم الله الفنان المبدع «لينين الرملى» الذى عاش مخلصاً لفنه وإنسانيته والتراب الذى أنبته.