بقلم: د. محمود خليل
فى 25 ديسمبر 1979 استيقظ العالم العربى على تدفُّق القوات السوفيتية إلى أفغانستان بهدف دعم الحكومة الأفغانية الصديقة. حينها أثيرت قضية مهمة داخل أروقة الجماعات الجهادية فى كل مصر والمملكة تتعلق بتحديد العدو الذى يتمتع بالأولوية، وهل هو العدو القريب لهذه الجماعات المتمثل فى حكام الدول والأنظمة السياسية المسيطرة عليها أم العدو البعيد المساند للحكام والأنظمة المحلية والمتمثل فى الاتحاد السوفيتى -حينذاك- والولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى بعض دول أوروبا.
تبنَّى عبدالله عزام -فلسطينى الجنسية ينتمى إلى جماعة الإخوان وحاصل على الدكتوراه من جامعة الأزهر- نظرية تذهب إلى أن الجهاد ضد العدو البعيد له الأولوية، وأن هذا الجهاد فرض عين على كل مسلم، وليس فرض كفاية كما يذهب بعض الفقهاء. كان «عزام» فى ذلك الوقت يقيم بإسلام أباد بدولة باكستان، وكان يعتبر نفسه أميراً لجهاد السوفيت المحتلين لأفغانستان. وقد أثارت فتواه جدلاً عنيفاً بين الإسلاميين فمنهم مَن تبناها ومنهم مَن رفضها. كان أكثر من تقبَّل الفكرة مجموعة من الرموز الإخوانية داخل دول العالم العربى، كما حظيت بدعم من جانب فقهاء آخرين، أبرزهم «ابن باز» و«ابن عثيمين». وليس هناك خلاف أيضاً على أن الأنظمة السياسية العربية لم تجد غضاضة فى الفكرة، بل اعتبرتها وسيلة خلاص من إرهاب هذه الجماعات، فسمحت لهم بجمع التبرعات المالية والعينية لدعم الجهاد فى أفغانستان وأفسحت الطريق أمام مَن يريد السفر للمشاركة فى المعارك القتالية هناك.
تعددت حملات الدعوة للتبرع لدعم المجاهدين -بالمصطلح السائد حينذاك- ضد السوفيت فى أفغانستان، أخذت هذه الحملات شكلاً شعبياً فى بداياتها الأولى داخل العديد من الدول العربية، ثم اكتسبت صفة رسمية. وشيئاً فشيئاً فرض الجهاد ضد السوفيت نفسه كموضوع أساسى فى الخطب الصحوية المنادية من دون توقُّف بالتضامن مع «الأفغان». من ناحيتها حددت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة الدول التى رأت أن من الممكن أن يكون لها دور فى دحر القوات السوفيتية وطردها من أفغانستان، تجنباً للصدام المباشر مع السوفيت فى ظل الحرب الباردة بين القوتين العظميين.
وعلى الساحة الباكستانية -ثم الأفغانية- بزغ نجم أسامة بن لادن، وكان حينها واحداً من المليونيرات العربية المعدودة. منذ صغره امتاز «أسامة» بميل واضح إلى التدين. وكان لديه ولع خاص بالزعامة. وليس عيباً أن يحلم أحد بالزعامة، المهم أن يمتلك مقوماتها. وواقع الحال أن أسامة بن لادن كان يحلم بصورة «محارب من العصور الوسطى» شأنه فى ذلك شأن كثيرين ممن قرروا السفر إلى أفغانستان. تزعَّم أسامة بن لادن حركة جمع التبرعات لدعم المجاهدين ضد السوفيت، ويسر له المال الذى تيسر فى يده أو من خلال التبرعات فرصةً جيدة ليؤلف قلوب -وأحياناً جيوب- شباب الجماعات الذين رأوا من جانبهم أن «الفيلم» الذى يحدث فى أفغانستان للعيش فى أجواء بطولات العصور الوسطى، ورحبت بعض الحكومات بفكرة رحيلهم -بتطرفهم- بعيداً عنها.