توقيت القاهرة المحلي 21:39:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

آدم المصرى

  مصر اليوم -

آدم المصرى

بقلم: د. محمود خليل

تصور المصريين لآدم عليه السلام ولحياته فى الجنة، ثم رحلة شقائه على الأرض لا يبرح عتبة الثقافة المحلية، وما تقدمه من تصورات للحياة والأحياء، وكذا للعالم الآخر، ونعيم جنانه وعذابات جحيمه.

ليس المصريون وحدهم كذلك، بل كل شعوب الأرض. ولا تجد لوحة أشد اكتمالاً للتعبير عن تصوّر المصريين لـ«آدم» من اللوحة التى قدمها نجيب محفوظ فى رواية «أولاد حارتنا».

فالحكاية الأولى «أدهم» التى تحمل رمزية إنسانية عالية لآدم الأول وكل الأوادم الذين تدفقوا من صلبه بعد ذلك تقص عليك حكاية «أدهم المصرى» بكل تفاصيلها، فتجد فيها النزعة القدرية والتسليم للإرادة العليا التى كانت سبباً فى وجوده فى الحياة، وميلاً عميقاً إلى الحياة الرخوة غير المرهقة المحتشدة بالملذات الروحية والمادية، والترخص فى تسليم عقله إلى أقرب عابر سبيل لقبول ما قد تأباه نفسه، والصبر على البلاء وعند مواجهة مشكلات الحياة.

ثمة أمران يستحقان التوقف أمامهما، ونحن نستعرض لوحة السمات التى رسمها نجيب محفوظ لـ«آدم المصرى» وعبر عنه باسم «أدهم» فى روايته الشهيرة.

الأمر الأول يتعلق برائحة الحياة فى مصر أواخر القرن الـ18 وأوائل القرن الـ19 التى تفوح منها. فصورة «أدهم» فى «أولاد حارتنا» تتفق فى الكثير من سماتها مع الصورة التى رسمها كُتاب الحملة الفرنسية (1798 -1801) للمواطن المصرى فى مؤلفهم الشهير «وصف مصر».

الأمر الثانى أن بعضاً من السمات التى توافق فيها نجيب محفوظ مع كتاب «وصف مصر» وهو يرسم صورة «أدهم» ما زالت راسخة فى الشخصية المصرية، وبعضها الآخر تراجع وبقى فى حالة كمون، كما أن التجارب المتنوعة التى خاضها «أدهم» -وهو الاسم الرمزى للمواطن المصرى- أظهرت سمات أخرى فى شخصيته لم يتنبه لها نجيب محفوظ وكتاب «وصف مصر»، لكن يبقى أن السمات الأم التى تميز «أدهم» فى «أولاد حارتنا»، و«وصف مصر» تشكل إلى حد كبير الهيكل الأساسى للشخصية المصرية.

وفى كل الأحوال تمثل هذه السمات منطلقاً لتحديد وتوقع سلوك المواطن المصرى فى المواقف المختلفة، وردود أفعاله خلال الفترات التى شهدت محاولات لتغيير معالم شخصيته.

وثمة تجربة مهمة وبارزة فى هذا السياق (تجربة النهضة فى عصر محمد على) استنفر «أدهم المصرى» فيها كل ما يملكه من آليات الصمود والمواجهة للحيلولة دون إعادة صياغة الظروف المحيطة به وتغيير سلوكه وطرق أدائه ليخرج من قوقعة الماضى الفوضوى والخيالى الذى كان يميز حياته خلال العصرين العثمانى والمملوكى ليعيش حياة واقعية يتخلى فيها تدريجياً عن السمات التى أقعدت شخصيته عن النهوض، وجعلتها أشد استسلاماً لأحلام وأوهام عديدة عششت فى رأسه.

ولعل أخطرها حلم «الحديقة والناى» الذى ظل يطارد أدهم -كما يصف نجيب محفوظ- بعد خروجه من البيت الكبير ونزوله للعيش فى الخلاء، وأقعده فى العديد من المواقف عن التعاطى العقلانى مع ظروف الحياة وتحولاتها.

الزمن فى رواية أولاد حارتنا «عائم»، لكن كما ذكرت لك تستطيع أن تشتم فى أحداثها ومعالم شخوصها رائحة الحياة فى مصر أواخر العصر المملوكى، وهى خلافاً للدراسة (محددة الزمن) التى أعدها «دى شابرول» -أحد علماء الحملة الفرنسية- حول الشخصية المصرية وعادات وتقاليد المصريين.

وظنى أننا لو شاكلنا بين النصين وقرأنا هذا فى ضوء ذاك فبإمكاننا أن نخرج بمجموعة من السمات التى حكمت تصور المصريين لآدم الأول والذى ترجمه نجيب محفوظ فى شخصية «أدهم»، وسنضع أيدينا على الأغلال التى تقيد هذه الشخصية وتعرقلها عن التطور، وأولها «القدرية فى التفكير».

وعندما نحلل هذه المنظومة من السمات فى سياق تجربة نهضوية، مثل تجربة محمد على، فسوف يتجلى لنا تأثيرها على الحياة فى مصر بدرجة أعمق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آدم المصرى آدم المصرى



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:14 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا
  مصر اليوم - محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:57 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

دليل بأهم الأشياء التي يجب توافرها داخل غرفة المعيشة

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

GMT 10:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز 5 ضحايا لهيمنة ميسي ورونالدو على الكرة الذهبية

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 10:39 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

أبوظبي وجهة مثالية لقضاء العطلة في موسم الشتاء الدافئ

GMT 03:57 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 منتخبات عربية في صدارة مجموعات تصفيات كأس العالم 2026
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon