بقلم: د. محمود خليل
منذ ظهور كورونا بالبلاد تقوم الطواقم الطبية وأعضاء هيئة التمريض بجهد ضخم فى مواجهة الفيروس، وهو جهد لا يستطيع أن ينكره أو يقلل من قيمته أحد. أصيب بعض الأطباء وكذلك بعض أعضاء طواقم التمريض بعدوى الفيروس، البعض منّ الله عليه بالشفاء وعبر المحنة والبعض الآخر وافاه الأجل، ورغم ذلك لم يتراجع أى من أعضاء جبهة الشفاء عن المواجهة، بل واصلوا العمل. الدور المحسوس للأطباء كان موضع احتفاء رسمى وشعبى كبير، بدا واضحاً فى تعليقات مسئولى الدولة، وفى مقدمتهم رئيس الجمهورية، الذى نوه بدورهم وجهدهم فى مواجهة الفيروس، ناهيك عن حالة الاحتفاء الشعبى فى استقبال الأطباء وأعضاء هيئة التمريض وهم عائدون من مقار أعمالهم، بعد أداء واجبهم المقدس فى رفع الآلام والأحزان عن المرضى.
المعاناة التى تواجهها الأطقم الطبية وأطقم التمريض فى مصر لم يزل يواجهها أعضاء الهيئات الطبية فى كل دول العالم فى مواجهة الفيروس اللعين، فى كل الدول سقط شهداء من الأطباء وهيئات التمريض، ووصلت بعض الأنظمة الطبية فى دول عديدة إلى حافة الانهيار. فالمواجهة الطبية لكورونا تتطلب طاقة تنوء بها الجبال بسبب العمل لساعات طويلة، والوقوف فى مرمى الخطر وارتفاع احتمالات الإصابة بالعدوى. وحالة الغضب التى اجتاحت القطاع الطبى خلال الساعات الأخيرة بعد وفاة الطبيب الشاب وليد يحيى مبررة ومفهومة. فهو ليس الطبيب الأول الذى يستشهد فى مواجهة كورونا. للأطباء شكاوى معينة لا أجد أى مشكلة فى الاستماع لها والالتفات إليها.
الحفاظ على كل طبيب وطبيبة أو ممرض وممرضة فى هذه اللحظات العصيبة واجب وضرورة. وحقيقة فإن رفض إجراء المسحات الدورية على الأطباء وأعضاء جهاز التمريض للاطمئنان إلى عدم إصابتهم بالعدوى أمر غير مفهوم، والإصرار على عدم إجراء هذه المسحات إلا فى حالة وجود أعراض للإصابة بالفيروس مسألة تثير التعجب. نحن بحاجة إلى الحفاظ على كل كادر طبى، لأن فى ذلك مصلحة للدولة والمجتمع. كما أنه حق للأطباء مقابل ما يبذلون من جهد واجب فى مواجهة الوباء. ليس من العيب أن تعيد وزارة الصحة النظر فى البروتوكول الذى وضعته على هذا المستوى، العيب فى الإصرار عليه. فماذا ستستفيد الوزارة إذا استقال الأطباء من العمل فيها؟ وماذا سيستفيد المجتمع من خطوة كهذه؟
استشهاد الطبيب وليد يحيى فجر أحاسيس الألم داخل نفوس الكثير من الأطباء، فقد ترك من خلفه طفلاً صغيراً. وكلنا يعلم أوضاع المعاشات وقيمتها. معاشات أسر الأطباء ممن قابلوا وجه ربهم خلال مواجهة الفيروس اللعين تقتضى إعادة نظر أيضاً. فمن حق أسرهم أن تجد يداً تعاونهم وتساعدهم على مواجهة أعباء الحياة بعد أن توفى من يعولها فى معركة شريفة، معركة إنقاذ حياة مرضى يواجهون موتاً محتملاً. هذه الخطوة التى يجب أن تتوازى مع خطوة تعديل بروتوكول إجراء مسحات الفيروس ستحقق للعاملين فى القطاع الطبى نوعاً من الأمان الوظيفى المطلوب. الأمان على النفس وعلى مستقبل الأسرة هو سر الاستقرار الوظيفى يا سادة.