بقلم: د. محمود خليل
عقب اغتيال قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس، اجتمع البرلمان العراقى وصدَّق على قرار يقضى بإخراج القوات الأجنبية من العراق. بعدها شرعت قيادات الميليشيات الشيعية العراقية تهدد الأمريكان أنه فى حالة الاستمرار بأراضى العراق سيتم النظر إليها والتعامل معها كقوات احتلال ينبغى مقاومتها. من ناحيته هبَّ «ترامب» هبَّته المعتادة وهدد العراق بعقوبات فى حالة تفعيل القرار، وذكر فى تصريح لاحق أن القوات الأمريكية لن تخرج من العراق إلا إذا دفع ثمن القاعدة الأمريكية التى تم تدشينها هناك منذ سنوات (قاعدة البغدادى)!. فى طهران تصاعدت الأصوات، ومعها صوت حسن نصر الله من لبنان، مؤكدة أن أقل ثمن يمكن أن تدفعه الولايات المتحدة مقابل اغتيال «سليمانى» هو الخروج من المنطقة.
بعيداً عن حالة الهيستيريا الغالبة على أغلب تصريحات الأطراف ذات الصلة بالأزمة أجد من الضرورى طرح السؤال التالى: هل يمكن أن تخرج القوات الأمريكية من العراق؟. بداية علينا أن نعترف أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب فى الخروج من العراق ولا منطقة الخليج برمَّتها. فوجودها يحمى مصالحها فى هذه المنطقة، والكلام الذى سبق أن ردده «ترامب» وذكر فيه أن وجود القوات الأمريكية داخل أى دولة يتم بالرضاء المشترك كلام غير دقيق بالمرة، لأن واقع الحال يقول إن وجود الولايات المتحدة فى المنطقة مبنىّ على «القوة» وليس «الشعبية». فالشعوب العربية لها موقف لا تُخطئه عين من الأمريكان، وهو موقف شديد السلبية، خصوصاً فيما يتعلق بالدور الحمائى الذى تقوم به لصالح إسرائيل. الولايات المتحدة لن تخرج إلا مجبرة من العراق وغيره من دول الخليج، لأن بقاءها مكسب وخروجها خسارة مؤكدة.
جانب آخر من الصورة يستحق التوضيح، ويتمثل فى موقف دول الخليج التى تظهر القدم الأمريكية فى مواضع عديدة منها، منذ الغزو العراقى للكويت عام 1990 والقوات الأمريكية موجودة فى كبريات الدول الخليجية وصغرياتها. ويعتبرها حكام الخليج درع الحماية والوقاية للأنظمة والدول. وبالتالى فصانع القرار داخل الممالك والإمارات الخليجية لن يقبل بحال فكرة أن يخرج الأمريكان من المنطقة، لأن النتيجة الطبيعية التى ستترتب على ذلك أن تقوم إيران بابتلاع المنطقة بأكملها. ولعلك تعلم أن جزءاً من أزمة الولايات المتحدة الأمريكية مع إيران -بما فى ذلك اغتيال سليمانى- يرتبط بالمطالبة بخروج إيران من المعادلة السياسية والعسكرية داخل دول العراق وسوريا واليمن ولبنان، وهو أمر ترفضه إيران بشدة، وتعلم أن الاستسلام له معناه ببساطة التنازل عن مشروعها فى السيطرة على المنطقة الذى بذل فيه «سليمانى» جهداً كبيراً خلال حياته وتحوّل إلى رمز عليه بعد اغتياله.
الولايات المتحدة لن تقبل الخروج من العراق أو غيره من دول المنطقة، لأن فى ذلك صالحها، ودول الخليج ستصر على استمرارها، لأن فى ذلك حمايتها. نحن أمام «دومينو مقفولة» وإذا كان البرلمان العراقى وحسن نصر الله والمسئولون الإيرانيون يرددون أحاديثهم عن إخراج القوات الأمريكية من العراق على سبيل الجد، فعلينا ببساطة أن نعترف أن الحرب فى المنطقة أصبحت حتمية!.