بقلم: د. محمود خليل
ذهب الدكتور صوفى أبوطالب -رئيس مجلس الشعب عام 1981- مع وفد من المجلس الموقر إلى النائب محمد حسنى مبارك، وعبر مشهد نقلته كاميرات التليفزيون أبلغه بقرار الأعضاء ترشيحه خلفاً للرئيس السادات واستفتاء الشعب على ذلك. تحدث «مبارك» بصوت ثابت وأعرب عن حزنه وكرر أكثر من مرة عبارة «أنا حزين» ثم ختم كلامه بقوله: «المركب لازم تمشى.. وآدينا مع بعض». وعقب اللقاء شرعت الحكومة فى ترتيب إجراءات الاستفتاء، وأعلنت النتائج وأقسم «مبارك» يمين الولاء أمام صوفى أبوطالب (رئيس الجمهورية المؤقت لمدة 6 أيام) وتسلَّم الحكم.
لم تكن شخصية «مبارك» غريبة على «الأداهم» فقد رأوه وسمعوه كثيراً وهو يتحدث عندما كان نائباً لرئيس الجمهورية. وقد عيّن فى هذا المنصب عام 1975، وأشار السادات إلى أنه قد آن الأوان للتمكين لجيل أكتوبر، وتحدث فى بعض المناسبات عن الدور المهم الذى قام به الفريق محمد حسنى مبارك قائد القوات الجوية فى حرب أكتوبر، وكيف أن الضربة الجوية التى أوجع بها العدو كان لها أثر كبير فى تحقيق النصر. كان يكفى الإلقاء بهذه الفكرة إلى «الأداهم» لكى يقتنعوا بشخص يوضع فى موقع قيادة، فجميعهم كانوا يتحدثون عن أن هزيمة 1967 تأسست على الضربة الجوية المباغتة التى وجهها الطيران الإسرائيلى إلى الطائرات ومدارج الطائرات داخل المطارات العسكرية المصرية صبيحة 5 يونيو 1967. لقد أجاد «السادات» اختيار المدخل الذى يُقدم به «مبارك» إلى «الأداهم».
عبارة «جيل أكتوبر» كانت لافتة وتستحق التأمل على مستويات أخرى غير المستوى الشعبى. فلم يكن «مبارك» وحده المنتمى إلى هذا الجيل، بل كان معه قيادات عسكرية أخرى لا يقل دورها أهمية عن دور «مبارك»، وهى قيادات بدأت فى الخروج من المشهد بعد انتهاء الحرب والانخراط فى مفاوضات السلام، وكان أبرزها محمد عبدالغنى الجمسى وزير الدفاع الذى غادر منصبه فى (4 أكتوبر 1978) بعد ما يقرب من الشهر على توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية (17 سبتمبر 1978)، والجمسى هو آخر وزير يلقَّب بـ«وزير الحربية»، حيث تغير المسمى مع تولية كمال حسن على الوزارة إلى «وزير الدفاع». وقد صدر قرار خروج «الجمسى» من الوزارة قبل يومين من الاحتفال بالذكرى الخامسة لانتصار أكتوبر، وهو منهمك فى التحضير للاستعراض العسكرى الذى يتم فى هذا اليوم!.
بدا «مبارك» رجلاً محظوظاً، والحظ له نصيب كبير فى تاريخ الأدهمية. «مبارك» نفسه سجَّل ذلك فى أحد حواراته التليفزيونية الترويجية فى انتخابات 2005 عندما ذكر أنه لم يكن يفكر فى أن يكون جزءاً من الهيئة الحاكمة وأن أقصى ما كان يحلم به -بعد حرب أكتوبر المجيدة- أن يُعين سفيراً فى إحدى الدول الأوروبية ويعيش عيشة «الإكسلانسات»، فإذا به يفاجأ بقرار السادات بتعيينه نائباً للرئيس. لعب الحظ وكذا الظروف المتقلبة دوراً كبيراً فى تمهيد الطريق أمام «مبارك» نحو الحكم، فخرج «الجمسى» من الصورة وهرب الفريق سعد الدين الشاذلى إلى خارج البلاد، واستشهد الفريق أحمد بدوى فى حادث طائرة أوائل مارس عام 1981، أى قبل نحو 6 أشهر من اغتيال الرئيس السادات فى حادث المنصة الشهير، ليجلس «مبارك» على عرش الأدهمية.