توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشعبوية والشعبويون

  مصر اليوم -

الشعبوية والشعبويون

بقلم: د. محمود خليل

تعبّر الشعبوية عن حالة يميل فيها الجمهور إلى الاستجابة لنداء العاطفة وتحييد العقل، فمن يستطيع مخاطبة عواطفه ودغدغة غرائزه بمعلومات مثيرة أو مجموعة من الأكاذيب الملفّقة يكون أقدر على السيطرة عليه ممن يعتمد على العقل أو الحُجج المنطقية فى الإقناع بأفكاره أو وجهات نظره. ويتحدّد الهدف الرئيسى للشعبويين فى حشد المؤيدين وراء فكرة أو رأى معين بغضّ النظر عن وجاهته العقلية. يذهب البعض إلى أن قطاعاً من المصريين وقع أسير الخطابات الشعبوية التى تروّج عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وداخل بعض وسائل الإعلام، فيكون لديهم ميل إلى تصديق الأخبار الكاذبة والأفكار المثيرة والتعميمات البراقة الفارغة من المضمون، وهو ما يؤدى باستمرار إلى بناء وعى زائف لديهم بالواقع المحيط بهم.

حقيقة الأمر أن الشعبوية -وليس العقلانية- هى «الأصل» فى تفكير المصريين، شأنهم فى ذلك شأن الكثير من شعوب العالم الأخرى. والمسألة فى تقديرى لا ترتبط بظهور أو تمدّد أدوار مواقع التواصل الاجتماعى فى حياة الناس. وسائل التواصل رفعت فقط الغطاء الذى كان يخفى ما يتفاعل داخل البئر العميقة للتفكير الشعبى أو الشعبوى. ولو أنك قلّبت فى صفحات التاريخ سوف تجد أن «الشعبوية والشعبويين» كانوا حاضرين فى الكثير من المشاهد المفصلية فى حياة المصريين.

فى زمن الحملة الفرنسية، وظّف الزعيم محمد كريم الشعبوية فى مخاطبة المصريين، وفى طريق هروبه من الإسكندرية إلى القاهرة، بعد أن سيطر الفرنسيون على الثغر، كان يحدّث الناس عن ضعف جنود وإعدادات الحملة -على غير الحقيقة التى رآها بعينيه- وأن المصريين قادرون على مواجهتهم إذا استجابوا لداعى الجهاد. وفى القاهرة صعد الزعيم عمر مكرم إلى الأزهر الشريف، وأنزل البيرق النبوى، وسار به بين الناس يدعوهم إلى جهاد الغزاة، وفى عام 1882 كان أحمد عرابى يعسكر بخيمته فى التل الكبير يتلو الأذكار مع عدد من المشايخ، استعداداً للحرب، وعلى الضفة الأخرى كان عبدالله النديم ينشر فى صحفه ويتحدث فى خطبه عن مدافع «عرابى» ومدافع السلطان العثمانى القادرة على حرق الإنجليز الغزاة فى بضع ساعات، وفى عام 1928 خرج حسن البنا رافعاً المصحف بين يديه، منادياً فى الناس: «الطريق ها هنا.. الطريق ها هنا»، وانساق عدد من المصريين وراء ما كان يردّده من أفكار عمومية تختزن مجموعة من الأوهام الكبرى. وفى عام 1967 كان الإذاعى الشهير أحمد سعيد يتلو ما يصل إليه من بيانات حول عدد الطائرات التى أسقطناها لإسرائيل، وأننا على مشارف تل أبيب، وتواصل سلسال الأكاذيب حتى استيقظ المصريون على الحقيقة يوم 9 يونيو.

صفحات التاريخ تشهد على أن «الشعبوية» هى أصل الأشياء فى مصر، وأن الجميع يلاعب المصريين «شعبوياً». وثمة أمثلة لا تنتهى يمكن أن نستحضرها فى الاستدلال على ذلك. وعدم تغلغل الفكر العقلانى بين المصريين أساسه استعلاء النخبة -أياً كان نوع هذه النخبة- على الجمهور، وميلها إلى الوسيلة الأيسر والأسهل فى السيطرة وحشد الناس وراءهم واقتناص تأييدهم. والأعجب فى الأمر أن تجد بعد ذلك طرفين شعبويين يتهم كل منهما الآخر باللعب بعواطف الجماهير ومخاطبة غرائز الناس أكثر من مخاطبة عقلهم، رغم أن الكل سواء فى لعبة الخداع الجماهيرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشعبوية والشعبويون الشعبوية والشعبويون



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon