بقلم : د. محمود خليل
سوء إدارة اقتصادية أدى إلى أزمة سياسية عاصفة.. هذا ملخص ما يحدث الآن فى فنزويلا. فمنذ عام 2014، واقتصاد الدولة يعانى بسبب انخفاض أسعار البترول. وفنزويلا -كما تعلم- واحدة من الدول التى تعتمد على البترول بصورة شبه كاملة لتمويل اقتصادها. ضعف المدخولات البترولية أدى إلى خلق مستوى خيالى من التضخم، تدنّى معه سعر العملة المحلية بصورة غير مسبوقة، وارتفعت الأسعار بشكل مرعب، وزادت نسب الفقر والفقر المدقع بدرجة خطيرة. الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو أعلن أكثر من مرة خلال عام 2018 أن حرباً اقتصادية تخوضها القوى الخارجية ضد فنزويلا، وأرجع إليها حالة التدهور التى ضربت اقتصاد البلاد. وهو كلام لم يعجب المعارضة، وكذلك الشعب الذى يعانى. ولكى يواجه «مادورو» التململ الشعبى الذى ترجم فى صرخات ومظاهرات هنا وهناك، أصدر قانوناً أطلق عليه «قانون كراهية فنزويلا» واستخدمه كأداة لمعاقبة المعترضين على سياساته الاقتصادية.
الحظ السيئ كان حليفاً للرئيس الحالى «مادورو» عندما تراجعت الأسعار العالمية للنفط بعد عام واحد من توليه السلطة فى 2013، وازداد الأمر سوءاً بسبب فشل حزمة الإجراءات التى اتخذها لمواجهة التضخّم غير المسبوق فى الأسعار، وزاد الطين بلة العقوبات الأمريكية التى فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على الدولة الفنزويلية بعد صعود الاشتراكيين إلى الحكم بزعامة «مادورو». ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات هروب الفنزويليين من الواقع الاقتصادى المتردى بالدولة، بحثاً عن حياة جديدة فى دولة أخرى، ولجوء «مادورو» إلى آليات المواجهة التقليدية التى يعتمد عليها الحكام العجَزة فى مواجهة الشعوب الموجوعة، ارتفع صوت المعارضة فى الشوارع، ومنه إلى الجمعية الوطنية، ومنه إلى رئيسها «خوان جوايدو»، الذى يتزعّم حركة المعارضة، فأعلن نفسه رئيساً لفنزويلا. وسارع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى تأييده ومباركة خطوته بمجرد أن أعلن عنها. وهو أمر أغضب المعسكر الروسى - الصينى، فبادرت الدولتان إلى إعلان تأييدهما للرئيس «مادورو».
تعيش فنزويلا الآن برئيسين (أو رأسين)، أحدهما مدعوم أمريكياً، والآخر مدعوم روسياً وصينياً. «مادورو» يرى أنه صاحب الشرعية فقد جاء بالصندوق فى انتخابات 2013، فى حين يرى معارضه «جوايدو» أنه سار بالبلاد نحو الهاوية، وأضاع اقتصادها، وتسبّب فى معاناة مواطنيها، وأن أوان خروجه من الحكم قد آن. «مادورو» أعلن أنه يستعد للدخول فى مواجهة عسكرية مع معارضيه، وأنه سيحارب فى كل مدينة فنزويلية. ولا خلاف على أن الدخول فى أتون حرب أهلية لن يبقى حجراً على حجر داخل الدولة، وسيحول معاناة الشعب الفنزويلى إلى مأساة كاملة.
تظل الشعوب دائماً هى الضحية، فسياسات القائمين على الأمر -كما يحدث فى فنزويلا- تعجزهم عن الحياة ولا توفر لهم أدنى شروط المعيشة الآدمية، وعندما تصرخ وتعترض تواجه بقوانين قمعية، وإذا خرجت وتظاهرت وأيدت المعارضة التى تطمح إلى وراثة الحكم هدّدت الدولة التى تعيش فيها بمخاطر جللة. والعالم الخارجى لا يهمه سوى مصالحه وتحقيق أهدافه فى هذه الدولة أو تلك.. ماذا تفعل الشعوب؟!.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع