توقيت القاهرة المحلي 11:03:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انتفاضة أدهمية

  مصر اليوم -

انتفاضة أدهمية

بقلم: د. محمود خليل

كان لا بد للدائرة أن تكتمل. فمع الأخذ بسياسة الانفتاح الاقتصادى، وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية، وظهور القطاع الخاص وتفرغه لإنتاج السلع الاستفزازية القادرة على تحقيق أرباح سريعة، ومع التوجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية وبروز دورها كراعٍ لعملية السلام بين مصر وإسرائيل، كان من الطبيعى أن تتجه الدولة الساداتية إلى صندوق النقد الدولى، وتستعين بخططه فى إصلاح العجز فى الموازنة العامة. وروشتة الصندوق فى هذا السياق معلومة بالضرورة، وهى تركز أكثر ما تركز على تحرير الدولة من الأعباء التى تلتزم بها إزاء المواطن، وأبرزها الدعم.

خرجت وسائل الإعلام المصرى على الأداهم بقرار يقول إن الحكومة قررت رفع أسعار السلع الأساسية: الزيت والسكر والدقيق والخبز بـ«التعريفات والصاغات». فزاد سعر رغيف العيش البلدى من «تعريفة» إلى «قرش صاغ»، وزاد سعر رغيف الفينو من «صاغ» إلى «ثلاث تعريفات».. وقِس على ذلك. والقرش والتعريفة عملات يعرفها من عاصر حقبة السبعينات وأوائل الثمانينات. وما إن سمع «الأداهم» الأخبار تدفقت قطاعات من العمال والطلاب إلى الشوارع يوم 18 يناير 1977 وأخذوا يهتفون ضد «السادات» وحكومته، وتحولت المظاهرات فى مرحلة تالية إلى مواجهات عنيفة بين الأمن المركزى والشعب، وانطلقت بعض العناصر تخرب وتنهب وتسرق محلات ومشروعات الانفتاح الاقتصادى وتعبّ من السلع الاستفزازية عباً. تواصلت المظاهرات يوم 19 يناير وتم فرض حظر التجوال، ولم تتوقف الاحتجاجات حتى خرج «السادات» على الشعب وأعلن أن كل الحكومات تخطئ وتتسرع، وأنه قرر التراجع عن قرارات رفع الأسعار.

وصف «السادات» ما حدث بـ«انتفاضة الحرامية» فى محاولة لتبرئة ساحته والإلقاء باللوم على الأداهم. ووقائع ما حدث خلال اليومين تقول بوجود عمليات سرقة وسلب ونهب من جانب حرافيش الأداهم من أطفال الشوارع والمتعطلين المتزاحمين فى شوارع القاهرة وغيرها من المدن، لكن ذلك لا يمنع من أن الكتلة الأكبر التى شاركت فى المظاهرات من العمال وطلاب الجامعات ومن انضم إليهم من أولاد البلد لم تخرج بهدف مد اليد بالسرقة، بل لمد اليد إلى الحاكم رجاء أن يعينها على الحياة، كان الأداهم يهتفون بأوجاعهم التى تسبب فيها الغلاء والعجز عن الإنفاق وتدهور الأحوال المعيشية والخدمية، لذا فقد أطلقوا على مظاهراتهم «انتفاضة الخبز».

كانت أحداث يناير 1977 حدثاً فارقاً فى تجربة الدولة الساداتية، وظل عالقاً بمخيلتها طيلة السنوات التالية. ومثل أى حاكم اعتلى عرش الأدهمية ترك السادات الأصل وتعلق فى الفرع، فحاول أن يعلق طوق المسئولية فى رقبة اليساريين والناصريين واتهمهم بالتخريب، ولم يفكر ولو للحظة فى أن سياسة الانفتاح وما ولدته من ثروات مشبوهة، والحياة المخملية التى بدأ المحيطون بمركز الحكم فى التمتع بها، بما فى ذلك الرئيس الذى صنف من ضمن أشيك رؤساء العالم، فى حين كانت «أداهم» الشعب تعانى الأمرَّين بسبب غلاء الأسعار وتراجع مستوى الخدمات (الكهرباء - مياه الشرب - الصرف الصحى)، ثم أكملت حكومته الدائرة بإلغاء الدعم ورفع أسعار السلع الأساسية التى يتعيش عليها بسطاء الأدهمية. لم يفكّر السادات فى أن تكون سياساته وإجراءاته هى التى أجبرت الأداهم على النزول، بل صب جام غضبه على التيارات السياسية التى أطلقت على ما حدث انتفاضة الخبز، وصرخ فى وجوههم بعبارته الشهيرة «دى انتفاضة حرامية».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتفاضة أدهمية انتفاضة أدهمية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon