توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الهادى والمهدى

  مصر اليوم -

الهادى والمهدى

بقلم: د. محمود خليل

لا بد من التنبيه إلى أن فكرة «البحث عن مهدى» لا تتعلق بالمصريين وحدهم، بل تنسحب على جميع الشعوب المسلمة التى يشكل الموروث الدينى جزءاً لا يتجزأ من خرائط تفكيرها وبنيتها الثقافية، لكن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى أن المصريين أكثر تشبثاً من غيرهم بهذه الفكرة، وقد يكون السر فى ذلك أننا من أقدم شعوب العالم، ما يجعل تعلُّقنا بالماضى كبيراً، وثمة مؤشرات عديدة تدلل على أن انشغالنا بالماضى يفوق همنا بالحاضر واهتمامنا بالمستقبل. تقول الأرقام إنه خلال الفترة من عام 2000 حتى عام 2012 ظهر 19 شخصاً ادعى كل منهم أنه المهدى المنتظر، ما يعنى أن مصر تنتج مهدياً ونصفاً فى العام الواحد!.

مسألة البحث عن مهدى -كما ذكرت لك- قديمة، وأول من اقترب من طرحها فى مصر عبدالله بن سبأ الذى يصنفه كتاب التراث ضمن أبرز الشخصيات التى أشعلت الفتنة الكبرى فى عهد عثمان وما تلاه. فى زيارة له إلى مصر أثناء احتدام أحداث الفتنة تحدث «ابن سبأ» حديثاً عجيباً عن رجعة النبى صلى الله عليه وسلم وأخذ يقول: عجبت لمن يقول إن محمداً لا يرجع وهو يقرأ فى كتاب الله: «إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ». وقد تحورت الفكرة السبَئِيَّة بمرور الوقت وتطورت وقدمت قاعدة تفسيرية لحدوتة «المهدى»، على أساس أنه الشخص الذى سيعود بتعاليم «محمد» إلى سابق عهدها، ليسود العدل والقسط بين الناس.

أفرط «ابن سبأ» فى الزج بالعديد من الأساطير فى الوجدان الإسلامى، فلم يتوقف عند الحديث عن «رجعة النبى» بل أخذ يردد أن «علياً» يعيش فى السحاب وصوته الرعد. وفكرة «الرجعة» -كما تعلم- شيعية بامتياز، والمذهب الشيعى يولى أهمية كبيرة للأئمة ويضعهم فى مرتبة عُليا، ويستند بعضهم إلى الآية الكريمة التى تقول: «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ». والهادى يفهمه الشيعة على أنه الإمام، أما السُّنة فيعتبرونه «المهدى». كلاهما غائب، وكلاهما له رجعة. وفكرة عودة «إمام الهدى» أو «المهدى المنتظر» شرك بين المؤمنين بكل الأديان.

فى كل العصور تفاعل المصريون مع فكرة المهدى بقدر لا بأس به من الإيجابية، فخرج مواطنون بسطاء كُثر أتوا من قرى مصر ونجوعها وكفورها وعشوائياتها ومخططاتها وأعلنوا أنفسهم هداة مهديين. ولا خلاف على أن حالة الشغف المصرى بالفكرة بشكل يفوق شغف الشعوب الأخرى بها. وقدم هذا الشغف سواء بين المصريين أو غيرهم من الشعوب الإسلامية مرده أجواء القهر التى عاشوا فى ظلها تحت حكم ولاة الدولة الأموية ثم العباسية ثم الدولتين المملوكية والعثمانية، ووجد بعض المغامرين فى الفكرة فرصة طيبة ليقدموا فيها شخوصهم على أنهم «المهدى المنتظر» الذى جاء ليملأ الأرض عدلاً وبشراً ورحمة.

فكرة «البحث عن مهدى» تتسق إلى حد كبير مع المزاج المصرى، وهو الاتساق الذى يجد سره فى أسلوب تعامل المصريين مع مشكلات الحياة بمنطق «التمنِّى» وليس «التبنِّى». تجد فكرة «التمنى» حاضرة بقوة فى آلة الدعاء التى يهواها المصريون منذ الفتح الإسلامى وحتى الآن. ولست أقلل بالطبع من قيمة الدعاء، لكنَّ ثمة فرقاً كبيراً بين دعاء العامل المجتهد، ودعاء الكسول الذى يكفُّ عن السعى ويقعد عن طلب الرزق وهو يعلم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة على حد «التعبير العمرى». البون شاسع بين مَن يتبنى مشكلته ويفحص أسبابها ويتعامل معها، وبين مَن يداوى جراحاته بـ«الأمنيات الطيبة».

كلمة النهاية لم تنزل على الشاشة بعد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهادى والمهدى الهادى والمهدى



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon