توقيت القاهرة المحلي 21:17:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

آيات القتال

  مصر اليوم -

آيات القتال

بقلم: د. محمود خليل

أسرف سيد قطب فى الحديث عن آيات القتال والاستدلال بها على التأصيل لمفهومه المختزل لـ«الجهاد فى الإسلام». والمُراجع للأفكار التى ردَّدها الرجل فى هذا السياق، سواء داخل كتاب «المعالم» أو فى غيره، يجده متأثراً كل التأثر بما كتبه المفسرون القدماء، دون محاولة للتجديد ترتكز على الوعى بالسياق الذى أُنتجت فيه هذه التفاسير والالتفات إلى ظروف الواقع المعاصر الذى يؤصِّل «قطب» لأفكار سيكون لها بالغ الأثر فيه. أولى الآيات الكريمة التى رخّصت للمسلمين فى القتال هى قول الله تعالى: «وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» (سورة البقرة - الآية 190). يقول «الطبرى» فى تفسيره: هذه الآية هى أول آية نزلت فى أمر المسلمين بقتال أهل الشرك. وقالوا أُمر فيها المسلمون بقتال من قاتلهم من المشركين والكف عمَّن كفَّ عنهم، ثم نُسخت بـ«براءة». يحذو الكثير من المفسرين حذو «الطبرى» ويرون أن مبدأ إلزام المسلم بعدم قتال الغير إلا فى حالة الاعتداء على دولته، تم نسخه «أى إزالة حكمه» بعد نزول سورة التوبة التى تبدأ بالآية الكريمة» «بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ».

يتبنى سيد قطب وغيره من المنظِّرين لفقه الدماء الطرح الذى قدمه قدماء المفسرين، ويرى أن للمسلم أن يبدأ بالاعتداء على الغير من أجل إزالة طواغيت الأرض التى تحول بين الجماعة المسلمة -وما أكثر الجماعات- والوصول بدعوتها إلى الشعوب. ولست أدرى هل الحيلولة هنا تتم بين المتطرفين والشعوب أم بين المتطرفين والوصول إلى كراسى الحكم؟. يرى سيد قطب أن مبدأ «عدم الاعتداء على الغير» لم يعد ملزماً بعد نزول سورة «براءة» التى تقول الآية رقم (5) منها «فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ»، وتقول الآية رقم (29) منها: «قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ». استند سيد قطب وغيره إلى هذه الآيات فى إباحة الاعتداء على الغير ونفى مبدأ «الحرب الدفاعية» الذى رسخته الآية 190 من سورة البقرة.

ارتكن سيد قطب على قاعدة «الناسخ والمنسوخ» فى القرآن فى التأصيل لأفكاره الجهادية. وتشير هذه القاعدة إلى أن بعض آيات القرآن الكريم التى نزلت فى ظروف لاحقة تنسخ -أو تزيل حكم- آيات أخرى نزلت فى ظروف سابقة. مثل آية «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» التى ألزمت المسلم بالصيام، وقد نسخت آية سبقتها تقول: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ» والتى كانت تخير المسلم بين الصيام أو الإفطار مع إطعام مسكين عوضاً عن كل يوم يفطره. وعلى هذا المنوال نسخت آيات القتال فى سورة التوبة الآية (190 من سورة البقرة) التى تلزم المسلم بعدم الاعتداء. وموضوع الناسخ والمنسوخ يشكل إحدى الإشكاليات الكبرى التى أربكت المفسرين وقراء القرآن الكريم. ولأن أغلب الآيات المنسوخة (التى أُزيل حكمها) نزلت بمكة، وأغلب الآيات التى نسختها (أحلت أحكاماً جديدة) نزلت بالمدينة، فإن الطرح الذى يقدمه سيد قطب وأمثاله يشعرنا بأننا أمام قرآنَين: «قرآن مكة، وقرآن المدينة»، وبصدد إسلامين: «إسلام مكة، وإسلام المدينة». عبر هذا الطرح يسىء «قطب» ومشايعوه إلى الإسلام وكتابه الكريم إساءة بالغة، وهى تعد مواصلة لذات الإساءة التى دمغ بها قدماء المفسرين القرآن الكريم، حين أرادوا حل لغز تناقض الأحكام التى تحملها بعض الآيات من خلال الحديث عن «الناسخ والمنسوخ»، لأنهم تبنَّوا رؤية أحادية فى فهم القرآن، وسعوا إلى تثبيت حكم واحد فى المواقف المتغيرة، حتى يردوا على الشبهات التى يثيرها البعض بوجود تناقض بين آيات القرآن، وفى ظنِّى -والله أعلم- أن المسألة ليست كذلك. فالقرآن الكريم يتبنى مع البشر فكرة «المسارات المتنوعة» التى تقدم بدائل مختلفة يمكنها التناغم مع التحولات الزمنية والتغيرات المكانية واختلاف الظروف والسياقات، وذلك خلافاً للرؤية الأحادية الباحثة عن الجمود والثبات التى تبناها سيد قطب وحذا فيها حذو قدماء المفسرين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آيات القتال آيات القتال



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:14 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا
  مصر اليوم - محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:57 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

دليل بأهم الأشياء التي يجب توافرها داخل غرفة المعيشة

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

GMT 10:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز 5 ضحايا لهيمنة ميسي ورونالدو على الكرة الذهبية

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 10:39 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

أبوظبي وجهة مثالية لقضاء العطلة في موسم الشتاء الدافئ

GMT 03:57 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 منتخبات عربية في صدارة مجموعات تصفيات كأس العالم 2026
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon