بقلم: د. محمود خليل
خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السادات للأدهمية، وتحديداً بعد اكتساح سياسة الانفتاح الاقتصادى لحياة المصريين، وانتشار توكيلات استيراد السلع فى يد مجموعة من المحاظيظ ممن يحيطون بالرئيس، بدأت بعض العيون تلمع بالطمع وهى تنظر إلى شركات ومؤسسات القطاع العام التابعة للدولة التى تسهم بقسط موفور فى دعم الاقتصاد القومى وتقديم إنتاجها للفقراء وشرائح الطبقة الوسطى بأسعار معقولة. كانت هناك رغبة جامحة لدى البعض لتحويل هذه المشروعات إلى القطاع الخاص الناشئ، والمبرر الثابت الذى كان يساق فى هذا السياق هو فشل أساليب الإدارة داخل مؤسسات القطاع العام وعجزها عن تحقيق الأرباح المرجوة وتحولها إلى تكايا يعمل بها مجموعة من الموظفين الذين يشبهون «تنابلة السلطان». لم تكن هذه الاتهامات تخلو من حقيقة، لكنها بحال لم تكن تعكس الحقيقة كلها، وكانت تغمض العين عن مشروعات حققت نجاحات مهمة وأسهمت فى دعم الاقتصاد المصرى فى ظروف حالكة السواد.
كانت الأعين اللامعة بالطمع فى مشروعات القطاع العام تقابل فى الأغلب بأصوات شعبية صارخة برفض تصفية هذا القطاع وتسييل أصوله لتباع إلى رجال الأعمال. كان «السادات» يستذكر باستمرار ما حدث فى 18 و19 يناير 1977 ويعلم أن رفع يد الدولة عن المواطن وتركه لآليات السوق قد يفضى إلى نتائج غير محمودة العواقب، لذلك فقد مال خلال السنوات الأخيرة من حكمه إلى طمأنة «الأداهم» من ناحية استمرار القطاع العام، وكان العنوان الأشهر على صفحات الجرائد والمجلات المصرية خلال هذه الفترة: «لا مساس بالقطاع العام». وبعد استشهاد «السادات» وتولى «مبارك» شئون الأدهمية واصل الرئيس الجديد طمأنة المصريين، وكان واعياً كل الوعى بخطورة هذا النوع من الخطوات بعد أن عاين مع «السادات» أحداث يناير 77 وتعلم عدم طرق أى من الملفات التى سببت إزعاجاً لسلفه، فظل يتبنى -طيلة الثمانينات- نفس السياسات ويؤكد أنه «لا مساس بالقطاع العام»، لكن ماء كثيراً جرى فى النهر مع تدفق مليارات الدولارات إلى مصر بعد مشاركتها فى حرب تحرير الكويت، والقيام بتفاهمات مع صندوق النقد الدولى من أجل إعادة جدولة ما تبقى من ديون على مصر تبعاً لشروط معينة كان من ضمنها تبنى برنامج لخصخصة شركات القطاع العام.
ليس هناك خلاف على أن منح القطاع الخاص فرصاً أكبر فى العمل يؤدى إلى إنعاش الاقتصاد، كما أن تحرر الدولة من بعض الأعباء الاقتصادية (اعتماداً لمبدأ أن الدولة تحكم ولا تملك) يؤدى إلى خفض العجز فى الموازنة ويمكن الحكومات من القيام بأدوارها فى تحسين برامج التعليم والصحة وغيرهما من البرامج الخدمية، باستغلال العوائد التى ستجنيها جراء بيع المشروعات التى تثقل كاهلها، لكن المشكلات تبدأ إذا تم تطبيق النظام بأساليب معوجة ليتم فتح باب الفساد على مصراعيه، وبدلاً من أن تصب عوائد الخصخصة فى خزينة الدولة لتصحح العجز فى الموازنة وتمكنها من القيام بمهامها الأساسية نحو الأداهم، يذهب قسم -يقل أو يزيد- منها إلى جيوب الأداهم المحاظيظ لتتحول سياسات الإصلاح إلى سياسات للتخريب الممنهج.