بقلم: د. محمود خليل
احتار البعض من موقف جماعة الإخوان من اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليمانى، فكثير من الإخوان عبروا عن شماتتهم فى اغتيال «سليمانى»، تجلى ذلك بصورة واضحة فى المعالجات التى قدمتها قنوات الجماعة للحدث، فى حين بدت قلة منهم متحفظة على ما يحدث ونقلت شماتتها إلى تداعيات الحدث على دول الخليج، وخصوصاً المملكة العربية السعودية والإمارات فى ضوء حالة الغضب التى تميز موقف الجماعة من هذه الدول. هذا الانقسام نحو إيران وما يحدث فى إيران ليس جديداً على الإخوان، بل يمتد بجذوره إلى عام 1979 الذى شهد قيام الثورة الخومينية فى إيران، بالإضافة إلى عدد من الأحداث الأخرى الكبرى.
بدت سنة 1979 سنة حبلى بالعديد من الأحداث على المستويين المحلى والإقليمى، امتازت بدرجة كبيرة من التشابك. فى المملكة العربية السعودية احتل جهيمان العتيبى الحرم الشريف (20 نوفمبر 1979) ونشبت معركة طاحنة بين أتباعه من ناحية والقوات السعودية المدعومة بوحدة كوماندوز فرنسية من ناحية أخرى. قبل هذا الحدث بشهور (مارس 1979) تم توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، متضمنة سحب القوات الإسرائيلية من سيناء، واعتراف مصر رسمياً بإسرائيل، وبدء رحلة التطبيع الرسمى بين البلدين، وهى خطوة استثارت غضب العديد من القوى المعارضة للرئيس السادات، وعلى رأسها الجماعة الإسلامية وجماعة الإخوان والجماعة السلفية. وكان العام نفسه قد شهد فى بدايته اندلاع الثورة الخومينية فى إيران وإسقاط نظام الشاه محمد رضا البهلوى، وتصدر الإسلاميين للمشهد داخل واحد من أقدم البلدان العلمانية فى منطقة الشرق الأوسط.
تبنى الإسلاميون موقفاً مزدوجاً من الثورة الإيرانية، فمنهم من أيد ومنهم من عارض. وكان سر التأييد مرتبطاً بفكرة «الثورة الإسلامية»، وتأسست المعارضة على فكرة «الخلاف المذهبى». أعجبت العديد من الجماعات الإسلامية -وعلى رأسها جماعة الإخوان- بفكرة الثورة وأعلنت تأييدها للخومينى والنظام الجديد، وزار وفد من إخوان الخارج طهران تأييداً للثورة، وفى الوقت نفسه وقفت الجماعة الإسلامية وجماعة الإخوان وراء المظاهرات التى شهدتها الجامعات المصرية وقتذاك للتنديد باستضافة السادات لشاه إيران وإقامته فى القاهرة. أما المعارضون فكان أغلبهم من المنتمين إلى التيار السلفى الذين يحول التزامهم بمذهب أهل السنة (المذهب الأشعرى) دون الاستماع إلى أى حديث يتعلق بالمذهب الشيعى الاثنى عشرى الذى نص دستور الثورة الإيرانية على أنه الدين الرسمى للدولة.
أدت الثورة الإيرانية إلى لفت النظر إلى قضية الصراع المذهبى داخل العالم الإسلامى ونشطت الأقلام السلفية فى الكتابة حول عورات وأضاليل المذهب الاثنى عشرى، وموقفه من بعض صحابة النبى، صلى الله عليه وسلم، وأمهات المؤمنين، لكن الأمر بالنسبة للإخوان كان مختلفاً، فقد قفزت على هذا الأمر المذهبى وركزوا فى البعد السياسى للمسألة، والتهبت خيالات كوادرها بتكرار التجربة فى مصر، ولم يستوعبوا وقتها فروق الزمان والمكان بين البيئة الإيرانية وأدوار الحوزة الدينية فيها، والبيئة المصرية الوسطية التى تأبى أن يكون الدين مركباً من مراكب السياسة، وإن كانت تعتبره جزءاً من حياتها المعيشية، ومكوناً أساسياً من مكونات ثقافتها الإنسانية والاجتماعية، وترفض أن يكون جزءاً من سياسة الحكم أو منافسات المعارضة احتراماً له ونأياً به عن التلوث فى سوق الكذب.