بقلم: د. محمود خليل
فى تدوينة لافتة على صفحته على «فيس بوك» طرح الدكتور جابر جاد نصار، الرئيس السابق لجامعة القاهرة، اقتراحاً جديراً بالمناقشة، يدعو فيه إلى تقييد الطلاق -فى حالة وجود أولاد- بوثيقة تسجَّل بحضور الزوجين أمام المأذون أو القاضى أو الموثق تحفظ حقوق الطرفين وتحافظ على حقوق الأولاد (نفقتهم، تعليمهم، علاقتهم بوالديهم، وكل ما يرتبط بذلك) على أن يكون للوثيقة قوة السند التنفيذى المباشر. فى تقديرى أن هذا الاقتراح جدير بالنقاش، ففى ظل ارتفاع معدلات الطلاق، كما تسجل بيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، تصبح مسألة النظر فيه وتحويله إلى تشريع ضرورة ملحة. فى حالات الطلاق غالباً ما يدفع الأطفال ثمن خلافات لا علاقة لهم بها، فكم من نزاعات تحدث بين أزواج الأمس بسبب الإنفاق على الأطفال، وعادة ما تنتقل فى مراحل مبكرة منها إلى ساحات القضاء لتزيد الأعباء على مؤسسة العدالة، فكل حادثة طلاق تحمل فى أحشائها قضية أو أكثر، فما المانع إذاً من هذا الحل العملى الذى يقدمه الدكتور جابر جاد نصار بحل المشكلة عند المنبع؟ فى حدود علمى أن القانون يعطى للزوجة الحق فى أن تشترط على زوجها -فى وثيقة الزواج- ألا يُخرجها من بلدها، أو أن يُسكنها فى بلد معين، ومنع زوجها من السفر خارج البلاد إلا معها، ويجوز لها أيضاً أن تكتب ألا يمنعها من العمل أو الدراسة، بالإضافة إلى كتابة الضمانات التى تكفل لها حقوقها المالية. إذا كان ذلك يتم فى الزواج حماية لحق المرأة، فمن الواجب أيضاً أن نحمى حقوق الأطفال فى حالات الطلاق بالنص عليها فى وثيقة رسمية تتمتع بفاعلية تنفيذية.
فى بعض حالات الطلاق يحدث أن يترك الزوج أبناءه لمطلقته ويفر من واجبه فى الإنفاق عليهم، فى كثير من الظروف لا تملك الزوجات المبالغ التى يطلبها المحامون (وهى لم تعد مبالغ قليلة) لرفع قضايا على الأزواج من أجل الحصول على حق أبنائهم الذين أنجبوهم فى الحياة ثم تركوهم نهباً للمعاناة. الفكرة التى يقدمها «نصار» تحمل حلاً لهذه المشكلة وتريح كل الأطراف منذ البداية، وتحمى حقوق الضعاف بصورة شرعية وإنسانية. لذا أجد أن من الواجب أن تتبناها جهات التشريع وتحولها إلى قانون ملزم، كما أن مؤسسة الأزهر مطالبة بدعمها، لأن علماءها الأجلاء يعلمون أكثر منى أن القرآن حث على حماية حقوق المستضعفين، ويتفهمون أن القرآن الكريم توقف أمام عادة وأد البنات: «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ»، ما يعنى النص على حماية حق الطفل فى الحياة الكريمة القويمة. ولست أجد فارقاً بين الوأد بهذا المفهوم، وعملية الوأد المعنوى المعاصر التى تتم بحق الأطفال بعد انفصال الوالدين، عندما يتم حرمانهم من حقوقهم كبشر.
أجد الفكرة المبدعة التى طرحها الدكتور جابر جاد نصار جديرة بحوار مجتمعى حقيقى، كما أن صاحبها جدير بالتحية، فهو باستمرار يقدم نموذجاً محترماً لأستاذ الجامعة المؤمن بدوره فى الإصلاح، أياً كان موقعه، فخلال السنوات الأربع التى ترأس فيها جامعة القاهرة قام بالعديد من الجهود الإصلاحية، وجعل نقطة الانطلاق محاربة الفساد بكل أشكاله: المالى والإدارى والتعليمى والبحثى، الأمر الذى أدى إلى وفورات مالية كبيرة وتقدم ملحوظ لجامعة القاهرة فى التصنيفات العالمية، وتطوير للمعامل والمنشآت الجامعية. وبعد أن استكمل تجربته قرر، بإرادته الذاتية، عدم الترشح لمرة ثانية، وواصل مسيرته فى الإصلاح كأستاذ جامعى من خلال مؤسسة خيرية ترعى المئات من طلاب المدارس والجامعات. تحية واجبة لهذا الرجل.