توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رحلة «الزهرى»

  مصر اليوم -

رحلة «الزهرى»

بقلم: د. محمود خليل

لم تعبر المسألة عن تطور زمنى قدر ما عبرت عن إرادة سياسية، حين سعى حكام بنى أمية إلى تدوين الحديث وسيرة النبى صلى الله عليه وسلم وتاريخ الصحابة. فقد شكلت عملية التدوين تلك الأساس الفكرى للنظرية السلفية أو نظرية الحلم بالماضى الطوباوى الرشيد التى عمد الأمويون إلى إغراق ذرارى المسلمين فيها. بدأت الرحلة مع معاوية وتواصلت مع من تلاه من حكام بنى أمية بدءاً من عصر عبدالملك بن مروان ووصلت إلى محطتها الأهم فى عصر الخليفة عمر بن عبدالعزيز، الذى يصفه بعض المؤرخين بأول المجددين الذين يرسلهم الله على رأس كل 100 عام هجرى ليجددوا لأمة الإسلام شبابها. عندما تولى عمر بن عبدالعزيز الحكم عام 99 هجرية كان قد مر قرن كامل على هجرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومر ما يقرب من 88 عاماً على وفاة النبى، وكانت النسبة الغالبة من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم قد توفاها الله، ولم يبق إلا من كانوا صغاراً حين كان النبى على قيد الحياة. كان جيل التابعين الأكثر سيطرة على المشهد الثقافى المسلم بعد وفاة معاوية، مثل سعيد بن المسيب والإمام مالك بن أنس وأبوبكر بن شهاب الزهرى وغيرهم.

من بين جيل التابعين برز اسم الإمام أبوبكر بن شهاب الزهرى الذى يصنفه «ابن كثير» كأول من دَوَّن العلم، ويُستند فى ذلك إلى ما رواه الإمام مالك بن أنس. شكلت مدينة رسول الله مسقط رأس «الزهرى» ومنها رحل إلى دمشق حاضرة الدولة الأموية بسبب ضيق الحال فى المدينة وكثرة عياله. وصل «الزهرى» إلى دمشق فى عهد الخليفة عبدالملك بن مروان. وهو من الشخصيات التى امتلكت نظرة ثاقبة وحساً سياسياً عالياً ورثه عن أبيه مروان بن الحكم جعلت المؤرخين ينظرون إليه كمؤسس ثانٍ للدولة الأموية بعد معاوية الكبير. فقد واجهته ثورات وفتن عارمة سواء من جانب الشيعة أو الخوارج، لكنه تمكن من القضاء عليها، والإمساك بزمام الأمور فى يده. الواضح أنه فى اللحظة التى وصل فيها «الزهرى» إلى دمشق كان عبدالملك يبحث عن رجل يساعد على إنتاج «فكر شعبوى» تستنيم إليه الرعية. وقد سبق وجرّب هذا الأمر بنفسه عندما كان من ضمن الفقهاء والمحدثين بالمدينة، وعرف قيمة غرق الرعية فى الجدل فى الأمور الفقهية والركون إلى الحكايات التى ينقلها من يستطيع القص عن النبى صلى الله عليه وسلم وجيل الصحابة. كانت الأجيال الجديدة تشتاق إلى السماع والمعرفة والغرق فى حلم العودة إلى المدينة الراشدة الفاضلة.

ويبدو أن عبدالملك بن مروان وجد ضالته فى «الزهرى». عندما التقاه الخليفة للمرة الأولى عامله بغلظة واتهم أباه بالسعى فى الفتن وبمعاداة بنى أمية، فما كان من «الزهرى» إلا أن استسمحه وذكّره بقول العبد الصالح لمن ظلموه: «لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم» فغفر له الوليد، ثم سأله: هل تحفظ القرآن؟ فرد عليه الزهرى «نعم»، فسأله عن إلمامه بالفرائض والسنن فأجاب بكفاءة عن كل الأسئلة التى طُرحت عليه. رضى عبدالملك عن «الزهرى» وقضى عنه كل ديونه وأمر له بجائزة، فطلب منه «الزهرى» خادمة أيضاً فأجاب طلبه، وختم لقاءه معه بجملة معبرة قال له فيها: «اطلب العلم فإنى أرى لك عيناً حافظة وقلباً ذكياً». كان «الزهرى» بحاجة إلى المال الذى يساعده على الحياة وكان يبحث عن استغلال «مهارة الحفظ» التى يمتلكها فى العمل والكسب. وكان عبدالملك بن مروان يحتاج إلى أمثاله من الحفّاظ لدعم الفئة التى كان يرعاها الخليفة وهى فئة «الرواة». وكان الطلب الشعبى فى ذلك الوقت شديداً على هذه الفئة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحلة «الزهرى» رحلة «الزهرى»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon